صفحة جزء
وإذا شهدا على موت رجل وأقر أنهما لم يعاينا ذلك لم تجز إلا أن يكون مشهور الموت ; لأنه إذ لم يكن مشهورا وأقر أنهما لم يعانيا فقد أقر أنهما يشهدان بغير علم . وإذا كان مشهور الموت فإنما يشهدان بما يعلمانه بالشهرة ، وإن قالا نشهد بأنه مات أجزت ذلك وإلا استفسرهما ; لأن مطلق الشهادة يجب حملها على سبب صحيح كما لو شهد بمطلق الملك قبلت شهادتهما ولا يستفسران أنهما يشهدان بذلك بظاهر اليد ، أو غيره ، وكذلك إن قال نحن دفناه ، أو شهدنا جنازته فهذا منهما شهادة بموته ; لأن الحي لا يدفن ولا يصلى على جنازته . وإذا أخبر الرجل المديون به ، أو المرأة أنه عاين موت فلان فالذي انتهى إليه الخبر في سعة من يشهد على موته قيل معنى هذا إذا اشتهر عند الناس حتى سمعه الشاهد من واحد بعد واحد . فأما إذا لم يسمعه إلا من هذا الواحد فإنه لا يجوز له أن يشهد بموته كما في النسب والنكاح ، وقد بينا وقيل بل في الموت يسعه ذلك إذا كان المخبر ثقة موثوقا به ; لأن أمر الناس هكذا يكون فالميت إنما يعاينه من يغسله ، ثم يخبر الناس بذلك فيعتمدون خبره ويعلمون أنه صادق في مقالته فيجوز له أن يعتمد هذا الخبر في الشهادة على موته .

وإذا جاء موت الرجل من أرض أخرى فصنع أهله ما يصنعون على الميت فإنه لا يسع أحد أن يشهد على موته حتى يخبر به من شهده ممن يثق به ; لأن مثل هذا الخبر قد يكون حقا ، وقد يكون باطلا والغالب عند بعد المسافة أنه باطل فلا يعتمده حتى يخبره من يثق به عن معاينة . فإذا أخبره بذلك وسعه أن يشهد ( ألا ترى ) أنه لو مات ميت فأخرجت جنازته حتى يدفن وسع الجيران أن يشهدوا بموته ، وإن لم يعاينوا ذلك ; لأنهم سمعوا [ ص: 155 ] ذلك مما عاين . وإذا تزوج امرأة نكاحا ظاهرا ودخل بها علانية وأقام معها أياما ، ثم ماتت فإنه يسع الجيران أن يشهدوا على أنها امرأته ، وإن لم يشهدوا النكاح ; لأنه اقترن بالنكاح ما أوجب تشهيره أرأيت لو كان بينهما ولد أما كان يسعهم أن يشهدوا أنه ولدهما ، وإن لم يعاينوا الولادة . فإذا كان يجوز هذا فيما ينبني على النكاح . فكذلك في النكاح .

التالي السابق


الخدمات العلمية