صفحة جزء
. باب ( الحميل والمملوك والكافر )

( قال رضي الله عنه : الأصل أن إقرار الرجل يصح بأربعة نفر بالأب والابن ، والمرأة ومولى العتاقة ، وإقرار المرأة يصح من ثلاثة نفر بالأب ، والزوج ومولى العتاقة ، ولا يصح إقرارها بالولد ) ; لأن إقرار المرء على نفسه مقبول . قال الله تعالى { بل الإنسان على نفسه بصيرة } وعلى الغير مردود للتهمة فالرجل بالإقرار مقر بالولد على نفسه ; لأن الولد ينسب إليه والمرأة تقر على الغير ، وهو صاحب الفراش ; لأن الولد ينسب إليه لا إليها فلم يصح إقرارها بالولد لهذا وفي الثلاثة هي مقرة على نفسها كالرجل فيصح الإقرار والإقرار بما سوى هذه الأربعة من القرابات كالأخوة والأعمام لا يصح ; لأنه يحمل نسبه على غيره فإن ثبوت النسب بينهما لا يكون إلا بواسطة وفي تلك الواسطة إقرار على الغير فلم يكن صحيحا والأصل فيه حديث عمر رضي الله عنه لا يورث الحميل إلا ببينة .

وأصل هذا ما روي عن الشعبي رحمه الله أن امرأة [ ص: 119 ] سبيت ومعها صبي فأعتقا ، وكبر الصبي واكتسب مالا ، ثم مات فقالوا للمرأة خذي ميراث ابنك فقالت ليس هو ابني ، ولكنه ابن دهقان القرية وكنت ظئرا له فكتب بذلك إلى عمر رضي الله عنه فكتب أن لا يورث الحميل إلا ببينة قال محمد رحمه الله الحميل عندنا : كل نسب كان في أهل الحرب ، وليس هذا بشيء يختص بأهل الحرب فإن الحميل من يحمل النسب على الغير فعيل بمعنى فاعل أو من يحمل نسبه على الغير فعيل بمعنى مفعول كالقتيل بمعنى مقتول إلا أنه إنما وضعه في أهل الحرب بناء على العادة ; لأنه لا يمكن إثبات أنسابهم بالبينة في دار الإسلام ، وقل ما يتعذر ذلك فيما بين المسلمين فلهذا وضعه في أهل الحرب فقال إذا سبي صبيان فأعتقا ، وكبرا فأقر كل واحد منهما أن الآخر أخوه لأبيه وأمه لم يصدقا في ذلك ; لأنهما يحملان النسب على الأب فالأخوة بينهما لا تثبت إلا بواسطة الأب والأم ; لأن الأخوة عبارة عن مجاورة في صلب أو رحم ، وكذلك لو كان مع المسبي امرأة فأعتقت ، وادعت أنه ابنها وصدقها في ذلك لم يصدقا بخلاف ما إذا كان مع المسبي رجل فأعتق ، ثم ادعى أن الصبي ابنه يثبت نسبه منه ; لأنه يقر بالنسب على نفسه ; ولأن سبب ثبوت النسب من الرجل خفي لا يقف عليه غيره فمجرد قوله فيه مقبول وسبب ثبوت النسب من المرأة ولادة يطلع عليها غيرها فلا يقبل بمجرد قولها فإن كان الصبي ممن يعبر عن نفسه أو كان بالغا لم يثبت النسب إلا بتصديقه ; لأن الإقرار يتوقف على تصديق المقر له إذا كان التصديق متأتيا ; ولأنه من وجه يدعي عليه وجوب الانتساب إليه قال صلى الله عليه وسلم { من انتسب إلى غير أبيه أو انتمى إلى غير مواليه فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل الله منه صرفا ، ولا عدلا } فلا يثبت المدعى عليه إلا بتصديقه ، وإنما يثبت عند التصديق إذا كان محتملا في نفسه

وإن لم يكن الولد معروف النسب من غيره ، ثم إذا أقرت المرأة بولد وصدقها لم يثبت النسب ، ولكنهما يتوارثان إن لم يكن لهما وارث معروف ; لأن المقر يعامل في حق نفسه كأن ما أقر به حق ، وإنما لا يصدق في حق الغير لتمكن التهمة فإذا كان هناك وارث معروف تتمكن بينهما تهمة المواضعة على إبطال حق الوارث المعروف ، وإذا لم يكن هناك وارث معروف لا تتمكن تهمة المواضعة بينهما ; لأن كل واحد منهما متمكن من إنشاء سبب يجعل ماله لصاحبه كالوصية في عقد الموالاة فلا تتمكن فيه التهمة ، وقد ينفصل حكم الميراث عن النسب ; ولهذا قال أبو حنيفة رحمه الله لم يستحلف في النسب ، ويستحلف في المال المدعى به وهو الميراث فإن شهدت لها امرأة [ ص: 120 ] على ذلك ، وقد صدقها الولد ثبت نسبه منها ; لأن شهادة القابلة تظهر النسب وهو الولادة فإنه مما لا يطلع عليه الرجال ، ولكن يشترط تصديق الولد ; لأنه إذا كان مكذبا لهما لم يثبت النسب إلا بحجة تامة ، وشهادة المرأة الواحدة ليست بحجة تامة ، وإن لم يشهد لها امرأة وصدقها زوجها أنه منه ثبت النسب منهما أما من الزوج بإقراره فإنه يقر على نفسه ، وإذا ثبت منه ثبت منهما تبعا ; لأن الفراش له عليها وهو سبب لثبوت النسب منهما ، وإنما يحال النسب على هذا النسب الظاهر

التالي السابق


الخدمات العلمية