صفحة جزء
. باب دعوة إحدى الإماء

( قال : رحمه الله قال أمة لها ثلاثة أولاد ولدتهم في بطون مختلفة ، وليس لهم نسب معروف فقال المولى في صحته : أحد هؤلاء ابني ، ثم مات قبل أن يثبت نسب واحد منهم ) ; لأن المدعى نسبه مجهول ونسب المجهول لا يمكن إثباته من أحد ، إنما يثبت في المجهول ما يحتمل التعليق بالشرط ليكون منقطعا بخطر البيان والنسب لا يحتمل التعليق بالشرط فلا يثبت بالمجهول ، والجارية تعتق ; لأنها أقر لها بأمية الولد ، وهو معلوم وأم الولد تعتق بموت مولاها من جميع المال ، وتعتق من كل واحد من الأولاد ثلاثة في قول أبي حنيفة رحمه الله ; لأن دعوة النسب إذا لم يعمل في إثبات النسب كانت إقرارا بالحرية فكأنه قال : أحدهم حر فيعتق ثلث كل واحد منهم من جميع المال ، وعلى قول محمد رحمه الله يعتق من الأكبر ثلثه ومن الأوسط نصفه والأصغر كله ; لأن الأكبر إن كان هو المقصود بالدعوة فهو حر فإن كان المقصود هو الأوسط أو الأصغر لم يعتق الأكبر فهو حر في حال ، عبد في حالين فيعتق ثلثه .

وأما الأوسط فإن كان المقصود فهو حر ، وإن كان المقصود هو الأكبر ; لأنه ولد أم الولد فيعتق بموت المولى كما تعتق أمه ، وإن كان المقصود هو الأصغر لم يعتق الأوسط فهو يعتق في حالين ، ولا يعتق في حال ، وأحوال الإصابة حالة واحدة في الروايات الظاهرة إلا فيما ذكر في الزيادات بخلاف حال الحرمان فلهذا يعتق نصفه .

فأما الأصغر فهو حر بيقين سواء كان المقصود هو الأوسط أو الأكبر إلا أن أبا حنيفة رحمه الله لم يعتبر هذه الأحوال ; لأنه مبني على ثبوت النسب ولم يثبت [ ص: 143 ] النسب ; ولأن جهة الحرية مختلفة ، وحكمه مختلف فإنه إن كان مقصودا بالدعوة كان حر الأصل ، وإذا كان المقصود غيره كانت حريته بطريق التبعية للأم بعد موت المولى ، وبين كونه مقصودا وتبعا منافاة ، وكذلك بين حرية الأصل وحرية العتق منافاة ، ولا يمكن اعتبار الجهتين جميعا فلهذا يعتق من كل واحد منهم ثلثه .

وقد روي عن أبي يوسف مثل قول محمد رحمهما الله إلا في حرف واحد وهو أنه قال يعتق من الأكبر نصفه ; لأن تتردد بين شيئين فقط أما أن يكون ثابت النسب من المولى فيكون حرا كله أو لا يكون ثابت النسب منه فلا يعتق منه شيء فلهذا عتق نصفه ، ويسعى في نصف قيمته ، ثم استشهد بقول أبي حنيفة رحمه الله بما لو كان لها ولد واحد فقال المولى : قد ولدت هذه الأمة مني ولدا ، ولم يتبين هذا هو أو غيره لا يثبت نسب هذا المعرف والمولى إنما أقر بنسب المنكر ، والمنكر غير المعرف وتصير الجارية بمنزلة أم الولد لإقراره بأمية الولد لها فيكون الولد عبدا لا يعتق بعتق أمه ; لأنه ما أقر بنسبه ، ولا بانفصاله عن الأم بعد أمية الولد فيها والرق فيها ثابت بيقين فلا يبطل بالاحتمال ، ومن قال بقول محمد رحمه الله يلزمه أن يقول هنا : يعتق من الولد نصفه باعتبار الأحوال ، وهذا قبيح من طريق المعنى أرأيت لو قال قد أسقطت هذه الأمة مني سقطا مستبين الخلق أكان يعتق به شيئا من ابنه الكبير لا يعتق شيء منه فكذلك ما سبق .

وكذلك لو كان كل واحد من هؤلاء الأولاد لأم معروف كان لها فإنه يعتق من كل ولد ثلثه ; لأن النسب لما لم يثبت بدعوته كان هذا إقرارا بالعتق لأحدهم فيعتق من كل واحد منهم ثلثه ، وهذا على أصل الكل ; لأن اعتبار الأحوال هنا غير ممكن

التالي السابق


الخدمات العلمية