صفحة جزء
ولو أقر لوارثه أو لأجنبي ، ثم مات المقر له ، ثم مات المريض ووارث المقر له من ورثة المريض لم يجز ذلك الإقرار في قول أبي يوسف الأول رحمه الله ، وهو جائز في قوله الآخر ، وهو قول محمد [ ص: 34 ] رحمه الله . وجه قوله الأول أن الإقرار حصل ، وسبب الوراثة بينه وبين المقر له قائم وحكمه عند الموت فإنما يتم لمن هو وارثه فلم يجز الإقرار لتمكن تهمة الإيثار ووارث المقر له حلف عنه قائم فيما هو حكم الإقرار ، فإذا كان هو وارثا للمقر جعل بقاؤه عند موت المقر كبقاء المقر له بنفسه . وجه قوله الآخر أن حياة الوارث عند موت المورث شرط ليتحقق له صفة الوراثة وهنا المقر له لما مات قبله ، فقد تبين له أن الإقرار حصل لغير الوارث فيكون صحيحا ووارث المقر له ليس بملكه من جهة المقر إنما يملكه بسبب الوراثة بينه وبين المقر ، وذلك غير مبطل للإقرار ( ألا ترى ) أنه لو أقر بعين لأجنبي فباعه الأجنبي من وارث المقر أو وهبه له أو تصدق به عليه كان الإقرار صحيحا فكذلك هنا . وكذلك إقرار المريض بعبد في يديه أنه لأجنبي ، فقال الأجنبي بل هو لفلان وارث المريض لم يكن لي فيه حق على قول أبي يوسف رحمه الله إقرار المريض باطل ; لأن المقر له لما حوله إلى وارث المريض صار كأن المريض أقر لوارثه ابتداء ، وهذا بخلاف ما إذا ملكه بسبب أنساه ; لأن ذلك ملك آخر يحدث للوارث بسبب متجدد غير الملك الحاصل بإقرار المريض ، فأما هنا إنما يحصل له ذلك الملك الثابت بإقرار المريض ; لأنه حوله بعينه إلى وارث المريض ونفاه عن نفسه ، وفي قوله الآخر يقول الإقرار صحيح ; لأن وارث المريض لم يملكه بإقرار المريض ، وإنما يملكه بإقرار الأجنبي له بالملك وإقراره له بالملك صحيح وقوله الآخر أقرب إلى القياس من قوله الأول أخذا بالاحتياط لتمكن تهمة المواضعة بين المريض والأجنبي على أن يقر المريض له ليقر هو لوارثه فيحصل مقصوده في الإيثار بهذا الطريق .

التالي السابق


الخدمات العلمية