صفحة جزء
قال : وتوكيل المرتد المسلم ببيع أو قبض أو خصومة أو غير ذلك موقوف في قول أبي حنيفة - رحمه الله - بمنزلة سائر تصرفاته عنده أنها توقف بين أن تبطل بقتله أو موته أو لحوقه بدار الحرب ، وبين أن تنفذ بإسلامه ، فكذلك وكالته ، وعندهما تصرفات المرتد نافذة فكذلك وكالته ، ولو ارتد الوكيل ولحق بدار الحرب انتقضت الوكالة لانقطاع العصمة بين من هو في دار الحرب ، وبين من هو في دار الإسلام ، وإذا قضى القاضي بلحاقه بعد موته أو جعله من أهل دار الحرب فتبطل الوكالة ، ألا ترى أن ابتداء الوكيل لا يصح في هذه الحال ، فإن عاد مسلما لم تعد الوكالة في قول أبي يوسف - رحمه الله - وعادت في قول محمد رحمه الله . وجه قول أبي يوسف - رحمه الله - أن قضاء [ ص: 15 ] القاضي بلحوقه بمنزلة القضاء بموته ، وذلك إبطال للوكالة وبعد ما تأكد بطلان الوكالة بقضاء القاضي لا نعود إلا بالتجديد ; ولأنه لما عاد مسلما كان بمنزلة الحربي إذا أسلم الآن ، ألا ترى أن الفرقة الواقعة بينه وبين زوجته لا ترتفع بذلك ، فكذلك الوكالة التي بطلت لا تعود ، ومحمد - رحمه الله - يقول : صحة الوكالة لحق الموكل ، وحقه بعد إلحاقه بدار الحرب قائم ، ولكنه عجز عن التصرف لعارض ، والعارض على شرف الزوال ، فإذا زال صار كأن لم يكن فيبقى الوكيل على وكالته - بعد ردة الموكل - على حاله ، ولكن تعذر على الوكيل بمنزلة ما لو أغمي على الوكيل زمانا ، ثم أفاق فهو على وكالته . فأما إذا ارتد الموكل ولحق بدار الحرب بطلت الوكالة لقضاء القاضي بلحاقه بدار الحرب ، فإن عاد مسلما لم يعد الوكيل على وكالته في رواية الكتاب ، فأبو يوسف - رحمه الله - سوى بين الفصلين ، ومحمد - رحمه الله - يفرق فيقول : الوكالة تعلقت بملك الموكل ، وقد زال ملكه بردته ولحاقه فبطلت الوكالة على البتات .

وأما بردة الوكيل فلم يزل ملك الموكل قائما ، فكان محل تصرف الوكيل باقيا ، ولكنه عجز عن التصرف لعارض ، فإذا زال العارض صار كأن لم يكن ، وجعل على هذه الرواية ردة الموكل بمنزلة عزله الوكيل ; لأنه فوت محل وكالته بمنزلة ما لو وكله ببيع عبد ، ثم أعتقه .

وفي السير الكبير يقول محمد - رحمه الله - يعود الوكيل على وكالته في هذا الفصل أيضا ; لأن الموكل إذا عاد مسلما يعاد عليه ماله على قديم ملكه ، وقد تعلقت الوكالة بقديم ملكه فيعود الوكيل على وكالته ، كما لو وكل ببيع عبد له ثم باعه الموكل بنفسه - ويرد عليه بالعيب بقضاء القاضي - عاد الوكيل على وكالته ، فهذا مثله .

التالي السابق


الخدمات العلمية