صفحة جزء
وإن شهد أحدهما أنه قال : " أنت وكيلي في قبض هذا الدين " ، وشهد الآخر أنه قال : " أنت حسيبي في قبضه " كان جائزا لأن كل واحد من اللفظين عبارة عن الوكالة ، فإن الحسيب نافذ الأمر ، وذلك يكون بالوكالة وإنما اختلفا في العبارة ، وذلك لا يمنع قبول الشهادة ، وكذلك لو شهدا هكذا في الخصومة أو قبض العين .

وإن قال أحدهما : إنه قال أنت وكيلي " ، وقال الآخر : " إنه قال أنت وصيي " لا تقبل هذه الشهادة ; لأن الوصية تكون بعد الموت ، وحكمها مخالف لحكم الوكالة فلم تبق شهادة الشاهدين على شيء واحد ، إلا أن يشهد أنه قال : " أنت وصيي في حياتي " فالوصية في الحياة [ ص: 24 ] تكون وكالة ; لأنه أنابه في التصرف حال قيام ولايته ، وذلك إنما يكون بالوكالة ، وإنما الاختلاف بين الشاهدين هنا في العبارة ، وذلك لا يمنع قبول الشهادة ، وإن شهد أحدهما أنه وكله بالخصومة في هذه الدار إلى قاضي الكوفة ، وشهد الآخر أنه وكله بالخصومة في هذه الدار إلى قاضي البصرة ، فهو جائز وهو وكيل بالخصومة ; لأن المطلوب قضاء القاضي لا عين القاضي ، وأقضية القضاة لا تختلف بل تكون بصفة واحدة في أي مكان كان قاضيا ، فقد اتفق الشاهدان على ما هو المقصود وهو الوكالة ، ألا ترى أنه لو وكله بالخصومة عند القاضي فعزل أو مات فاستقضى غيره ، كان له أن يخاصم عنده ، وكذلك لو تحول الخصم إلى بلدة أخرى كان للوكيل أن يخاصم عند قاضيها ، وهذا بخلاف ما لو شهد أحدهما أنه جعله وكيلا بالخصومة إلى فلان الفقيه ، وقال الآخر إلى فلان الآخر فهذا باطل ; لأن الفقيه إنما يصير حاكما بتراضيهما ، وكل واحد منهما يشهد برضا الموكل بحكومة إنسان على حدة فلم يثبت واحد من الأمرين ، وهذا لأن حكم الحكم بمنزلة الصلح ; لأنه يعتمد تراضي الخصمين وذلك ليس بمعلوم في نفسه ، بل يتفاوت بتفاوت عدل الحكم وميله إلى أحدهما ورضاه بالتحكيم إلى إنسان لا يكون رضا بالحكم إلى غيره ، وكذلك إن سمى أحدهما القاضي والآخر الفقيه ; لأن الشاهد على التوكيل بالخصومة إلى فلان الفقيه لا يملك التحكيم فعرفنا اختلاف المشهود به .

التالي السابق


الخدمات العلمية