صفحة جزء
ولو باعه الوكيل بالبيع من نفسه أو من ابن له صغير لم يجز ، وإن صرح الموكل بذلك ; لأن الواحد في باب البيع إذا باشر العقد من الجانبين يؤدي إلى تضاد الأحكام ، فإنه يكون مستردا مستقضيا قابضا مسلما مخاصما في العيب ومخاصما ، وفيه من التضاد ما لا يخفى ، ولو باعه له من ابن له كبير أو امرأته أو واحد ممن لا تجوز شهادته له لم يجز ذلك في قول أبي حنيفة - رحمه الله - بمطلق الوكالة أيضا ، ويجوز في قول أبي يوسف ومحمد - رحمهما الله - إلا من عبده ومكاتبه ، هكذا أطلق الجواب في كتاب البيوع والوكالة ، وفي المضاربة يقول : بيعه من هؤلاء بمثل القيمة يجوز ، وإنما الخلاف في البيوع بالغبن البين ، فمن أصحابنا - رحمهم الله - من يقول : من يقيس هناك يقيس في الوكالة أيضا ، ومنهم من فرق بين الوكيلين والمضارب ، ثم وجه قول أبي يوسف ومحمد - رحمهما الله [ ص: 33 ] أنه ليس للوكيل فيما يشتري هؤلاء ملك ولا حق ملك ، فبيعه منهم كبيعه من أجنبي آخر ، بخلاف العبد والمكاتب ، فإن كسب عبده له ، وفي كسب مكاتبه له حق الملك ، فتلحقه التهمة بالبيع منهما ، فلا يملك ذلك كما لا يملك البيع من نفسه ، وأبو حنيفة - رحمه الله - يقول : الوكيل بالبيع يوجب الحق للمشتري في ملك الغير ، والإنسان متهم في حق ابنه وامرأته فيما يوجبه لهما في ملك الغير ، ألا ترى أنه لو شهد له لا تقبل شهادته ، وجعل بمنزلة الشاهد لنفسه ، أو لعبده ، أو مكاتبه فكذلك إذا باعه منه ، ثم إن كان الخلاف في البيع بالغبن اليسير ، فكلام أبي حنيفة - رحمه الله - واضح فيه ; لأنه في حق الأجنبي إنما جعل الغبن اليسير عفوا ، لأنه ليس بينه وبين الوكيل سبب يجر إليه تهمة الميل ، فالظاهر أنه خفي عليه ذلك فأما ما بينه وبين ابنه أو أبيه فسبب يجر تهمة الميل لنفوذ الوكالة ، وإن أجريت على إطلاقها فتخصيصها بالتهمة ، ألا ترى أنه لا يملك البيع من هؤلاء بالغبن الفاحش بالاتفاق ، وإذا دخله الخصوص حمل على أخص الخصوص ، وهو جعل الخلاف على البيع بمثل القيمة

والفرق بين المضارب والوكيل أن المضارب كالمتصرف لنفسه من وجه ، ألا ترى أنه لا يجوز نهيه عن التصرف بعد ما صار المال عروضا ، وأنه شريكه في الربح فلا تلحقه التهمة في البيع بمثل القيمة من هؤلاء ; لأنه إنفاذ في العين دون المالية ، وفي الغبن هو كالمتصرف لنفسه ، بخلاف البيع بالغبن ، فإنه إيثار له في شيء من المالية ، وهو في ذلك نائب محض فأما الوكيل ففي العين والمالية جميعا نائب ; فلهذا لا يجوز بيعه من هؤلاء بمثل القيمة إلا أن يكون الموكل قد أجاز له في الوكالة ، بأن قال له : بع ممن شئت العموم ، فحينئذ يجوز بيعه من هؤلاء ، وهذه الزيادة لم يذكرها هنا ; لأنه لما فوض الأمر إليه على العموم كان ذلك بمنزلة التنصيص على البيع من هؤلاء ، فإن اللفظ العام يكون نصا في كل ما يتناوله ; فلهذا أجاز بيعه من هؤلاء بعد هذه الزيادة إلا من عبده الذي لا دين عليه ; لأنه لا نص على بيعه منه فلم يجز فإن كسبه ملك مولاه فبيعه من نفسه ، فأما عند إطلاق الوكالة فلا يملك البيع من هؤلاء ; لأن الأمر مطلق والمطلق غير العام ، فلم يكن إطلاقه بمنزلة التنصيص على كل بيع يباشره ; فلهذا لا يملك البيع من هؤلاء لتمكن سبب التهمة بينه وبينهم كما لا يبيعه من مكاتبه

التالي السابق


الخدمات العلمية