صفحة جزء
ولو وكله أن يشتري له طعاما بعشرة دراهم ، ولم يدفعها إليه ، فاشتراه الوكيل نسيئة - فهو جائز ; لأنه مأمور بالشراء مطلقا وقد بينا نظيره في الوكيل بالبيع ، وعن أبي يوسف - رحمه الله - في الفصلين جميعا أنه : إنما يبيع ويشتري للآمر بالنسيئة ، إذا أمره بالتصرف على وجه التجارة ; لأن كل واحد من النوعين من صنع التجار ، فإذا أمره بالبيع لا على وجه التجارة لا يملك البيع بالنسيئة ; وبيان هذا في كتاب الرهن ، ثم للآمر أن يأخذ الطعام قبل أن ينقد الثمن ; لأن مع الوكيل كحال الوكيل مع البائع ، وللوكيل أن يقبض المبيع قبل أن ينقد الثمن إذا كان مؤجلا ، فللآمر ذلك أيضا ، فإن مات الوكيل فحل عليه الثمن - لم يحل على الآمر ; لأن حلول الثمن على الوكيل لوقوع الاستغناء عن الأجل وعدم انتفاعه ببقائه ; أو لأن ما عليه من الدين ، صار كالمستحق في تركته وهو ميت ، وهذا لا يوجد في حق الآمر ما بقي حيا ، وكذلك لو أمره بأن يشتري له إلى أجل ، وهذا أظهر من الأول ، ولو كان أعطاه [ ص: 63 ] دنانير ، وأمره أن يشتري بها ، ثم لم ينقدها ، حتى دفع الطعام إلى الآمر ، وأنفق الدنانير في حاجته ، ونقد الثمن غيرها - فهو جائز ; لأنه امتثل الأمر في الشراء بتلك الدنانير ، وهي لا تتعين في الشراء بالتعيين ، فكانت باقية على ملك الآمر ، وقد وجب الثمن للبائع دينا في ذمة الوكيل ، وللوكيل في ذمة الآمر ، فالوكيل حين أنفق دنانير الآمر في حاجته ، صار مستوفيا دين نفسه فبقي دين الآمر عليه يغرمه في ماله ، وإن اشترى بدنانير غيرها ، ثم نقدها - فالطعام للوكيل ; لأنه كان مأمورا بالشراء بتلك الدنانير ، فإذا اشترى بغيرها ; صار مخالفا فكان مشتريا لنفسه ، ثم نقد دنانير الآمر في قضاء دين نفسه ، فصار ضامنا له ، فإن قيل : الشراء لا يتعلق بتلك الدنانير ، فشراء الوكيل بها وبغيرها سواء

قلنا : لا نقول يتعلق الشراء بتلك الدنانير ، وإنما تتقيد الوكالة بما يتقيد به المال المضاف إليها ، ألا ترى أنه لو هلك المال قبل الشراء به ، بطلت الوكالة ، وإذا تعلقت الوكالة بتلك الدنانير ; لم يكن الشراء بغيرها من موجبات الوكالة ، على أن الشراء قد بطل بتعلق الدنانير المضافة إليها نوع تعلق ، ألا ترى أن من اشترى بالدنانير المغصوبة ، ونقدها - لم يطلب له الفضل ، بخلاف ما إذا اشترى بغيرها ونقدها ، وإن اشترى الوكيل طعاما إلى أجل ، وهو ينوي الشراء بها ، لم يصدق على ذلك ، ولم يلزم الآمر ; لأن تلك الدنانير عين ; وصفة العينية تنافي الأجل ، فبين شرائه بالثمن المؤجل ، وبين شرائه بتلك الدنانير منافاة بينة ، فبينه مخالفة ; لما صرح به ، ودعواه غير مطابقة لما ظهر منه ، فلا يصدق على ذلك ، وكان هذا وما لو اشتراه بدنانير غير تلك الدنانير .

سواء ، وإن كان اشترى طعاما بمال ، فنوى الشراء بتلك - فهو جائز على الآمر ; لأنه ما صرح بخلاف ما أمره به نصا ، فإن إضافة الثمن إلى ذمته ، وإلى ما في يده من الدنانير سواء ، وكان تعيين تلك الدنانير في قلبه كتعينها بإشارته في العقد إليها ; وهذا لأن الوكيل قد يبتلى بهذا : بأن يجد ما يوافق الآمر في السوق ، ولا تكون تلك الدنانير معه ، فلو رجع إلى بيته ; ليحضرها فاته ، فلهذا جوزنا شراءه للآمر بمطلق الدنانير ، وإن نقد بعد ذلك تلك الدنانير نصا .

التالي السابق


الخدمات العلمية