صفحة جزء
[ ص: 2 ] قال رحمه الله : ) وإذا أوصى الرجل بخدمة عبده سنة لرجل وهو يخرج من ثلثه فصالحه الوارث من الخدمة على دارهم أو على سكنى بيت أو على خدمة خادم آخر أو على ركوب دابة أو على لبس ثوب شهرا فهو جائز استحسانا ، وفي القياس لا يجوز ; لأن الموصى له بالخدمة في حكم الاعتياض كالمستعير ولهذا لا يملك أن يؤاجره كالمستعير وهذا لأنه يملك الخدمة بغير عوض في الموضعين ، ثم المستعير لا يعتاض عن الخدمة مع المعير فكذلك الموصى له .

وجه الاستحسان أن الصلح يصح بطريق الإسقاط إذا تعذر تصحيحه بطريق المبادلة كما لو صالح من الألف على خمسمائة وهنا تصحيحه بطريق إسقاط الحق بعوض ممكن ; لأنه استحق على الورثة تسليم العبد له في المدة ليستوفي خدمته ، وهو حق لازم لا يملك الوارث إبطاله فيجوز إسقاطه بعوض بخلاف المستعير فإنه لا يستوجب على المعير حقا لازما ، فلا يمكن تصحيح الصلح معه اعتياضا عن إسقاط الخدمة فكذلك لو فعل ذلك وصي الوارث الصغير وربما يكون هذا التصرف نظرا للصغير .

والوصي في ذلك يقوم مقامه إسقاطا كان أو تمليكا ، فإن مات العبد الموصى له بخدمته بعدما قبض الموصى له ما صالحوه عليه فهو جائز ; لأنه الذي من جانبه إسقاط الحق فيتم بنفسه ; لأن المسقط يكون متلاشيا والوارث بعد ذلك يستوفي خدمته بملكه لا بالتملك على الموصى له بعوض فبقاؤه ومؤنته في حكم الصلح سواء ، وإن صالحوه على ثوب فوجد به عيبا كان له أن يرده ويرجع في الخدمة ; لأن ما وقع عليه الصلح بمنزلة المبيع وإذا كان ما يقابله إسقاط الحق كما في الصلح على الإنكار والمبيع يرد بالعيب اليسير والفاحش وبرده ينفسخ البيع فهذا مثله وإذا انفسخ رجع في الخدمة وليس له بيع الثوب قبل أن يقبضه لبقاء الغرر في الملك المطلق التصرف كما في البيع ، ولو صالحه على دراهم كان له أن يشتري بها ثوبا قبل أن يقبضها بمنزلة الثمن يجوز الاستبدال به قبل القبض ، ولو أن الوارث اشترى [ ص: 3 ] منه الخدمة ببعض ما ذكرنا لم يجز ; لأن الشراء لفظ خاص وضع لتمليك مال بمال والموصى له بالخدمة لا يملك تمليكه من الوارث بخلاف لفظ الصلح .

( ألا ترى ) أن المدعى عليه بعد الإنكار لو صالح المدعي على شيء لم يصر به مقرا حتى إذا استحق عاد على رأس الدعوى ، ولو اشترى منه المدعي صار مقرا له بالملك حتى لو استحق البدل لرجع بالمدعى ، ولو قال أعطيك هذه الدار مكان خدمتك أو عوضا عن خدمتك أو بدلا من خدمتك أو مقاصة بخدمتك أو على أن تترك خدمتك كان جائزا ; لأنه ذكر معنى الصلح ، وتصحيحه بطريق إسقاط الحق ممكن من الوجه الذي قلنا في الصلح ، ولو قال : أهب لك هذه الدار على أن تهب لي خدمتك كان جائزا إذا قبض الدراهم ; لأن لفظة الهبة في معنى لفظ الصلح حتى يستعمل في الإسقاطات كما في التمليكات بخلاف لفظ البيع .

( ألا ترى ) أن هبة المبيع من البائع قبل القبض يكون إقالة إذا قبله البائع بخلاف البيع ، وقد طعن بعض مشايخنا رحمهم الله في هذا الفصل فقال : الهبة بشرط العوض تتم تبعا فتصير عند القبض بمنزلة ما لو صرحا بلفظ البيع ، وقد بينا أن ذلك لا يجوز وكما يستعمل الهبة في الإسقاطات مجازا فكذلك البيع .

( ألا ترى ) أنه يبيع العبد من نفسه ويبيع المرأة من نفسها ويكون ذلك إسقاطا بعوض بعبارة البيع ولكنا نقول الهبة بشرط العوض يثبت فيها حكم البيع ولا يعتبر لفظة البيع ، والبطلان هنا باعتبار لفظ البيع ولكنا نقول لا يحكم بالبيع ; لأن موضوعه لفظ خاص بتمليك مال . والثاني : أن لفظ الهبة إنما يعتبر بيعا بالتقابض من الجانبين وذلك غير متحقق هنا فالقبض لا يجري من الوارث للخدمة هنا في الحال ولا فيما بعده ; لأنا لو صححنا هنا بطريق الإسقاط والمسقط بلا شيء ، فلا يتصور القبض فيه ليصير به بيعا ، ولو كانالوارث اثنين فصالحه أحدهما وصرحا بتمليك الخدمة منه بعوض ولا يمكن تصحيحه إسقاطا ، ولكنه بمنزلة الإجارة والموصى له بالخدمة لا يؤاجر من الوارث ولا من غيره ، وإنما استحسنا إذا كان جميع الورثة ; لأن الخدمة تبطل ويصير العبد بينهم على الميراث ، وهو إشارة إلى طريق إسقاط الحق بقبض كما بينا .

ولو باع الورثة العبد فأجاز صاحب الخدمة البيع بطلت خدمته ولم يكن له في الثمن حق ; لأن حقه في الخدمة لا يكون أقوى من حق المستأجر والبيع ينفذ من المالك برضا المستأجر ولا يثبت حق المستأجر في الثمن فهذا مثله ، وهذا بخلاف حق المرتهن ، فإنه يثبت في الثمن إذا نفذ بيع الراهن برضاه ; لأن حق الموصى له في المنفعة والثمن بدل العين دون المنفعة وحق المرتهن في العين ; لأن موجب عقد [ ص: 4 ] الرهن ثبوت يد الاستيفاء له من مالية العين والثمن بدل العين وبالبيع يتحقق وصوله إلى مقصوده ، وهو الاستيفاء ; فلهذا يتحول حقه إلى الثمن ، وكذلك لو دفع بجناية برضا صاحب الخدمة جاز ; لأن الملك للورثة والمنفعة لصاحب الخدمة فيجوز دفعه بجناية بتراضيهما ويبطل به حق الموصى له لفوات محل حقه .

ولو قتل العبد خطأ وأخذوا قيمته كان عليهم أن يشتروا بها عبدا فيخدم صاحب الخدمة ; لأن القيمة بدل العبد فيثبت فيه حق صاحب الخدمة كما كان ثابتا في المبدل ، وهذا لأن الوصية بالخدمة ، وإن كانت بالمنفعة فهي تتعدى إلى العين حتى يستحق على الوارث تسليم العين إلى الموصى له ويعتبر خروج العين من الثلث والموصى له لم يرض بسقوط حقه هنا ; لأن القتل ما كان برضاه ليقوم البدل مقام الأصل في إيفاء حقه باعتباره بخلاف البيع ، فإن هناك نفوذه كان بإجازته وذلك منه إسقاط لحقه في الخدمة فلهذا يثبت حقه في الثمن .

ولو صالحوه على دراهم مسماة أو طعام أجزت ذلك بطريق إسقاط الحق بعوض ; لأن حقه بعد القتل باق كما كان قبله ، ولو قطعت إحدى يدي العبد فأخذوا أرشها فهو مع العبد يثبت فيه حق الموصى له بالخدمة اعتبارا لبدل الطرف ببدل النفس ، وإن اصطلحوا منها على عشرة دراهم على أن تسلم له بعينها والعبد أجزت ذلك بطريق إسقاط الحق بعوض .

التالي السابق


الخدمات العلمية