صفحة جزء
ولو كان له عليه ألف إلى أجل فصالحه منها على خمسمائة درهم ودفعها إليه لم يجز ; لأن المطلوب أسقط حقه في الأجل في الخمسمائة والطالب بمقابلته أسقط عنه خمسمائة فهو مبادلة الأجل بالدراهم وذلك لا يجوز عندنا ، وهو قول ابن عمر رضي الله عنهما ، فإن رجلا سأله عن ذلك فنهاه ، ثم سأله ، ثم نهاه ، ثم سأله فقال : إن هذا يريد أن أطعمه الربا ، وهو قول الشعبي رحمه الله : وكان إبراهيم النخعي رحمه الله : يجوز ذلك ، وهو قول زيد بن ثابت رضي الله عنه استدلالا بحديث { بني النضير أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أجلاهم قالوا إن لنا ديونا على الناس فقال : صلوات الله عليه ضعوا وتعجلوا } وكنا نحمل ذلك على أنه كان قبل نزول حرمة الربا ، ثم انتسخ بنزول حكم الربا ، فإن مبادلة الأجل بالمال ربا .

( ألا ترى ) أن الشرع حرم ربا النساء وليس ذلك إلا شبهة مبادلة المال بالأجل فحقيقة ذلك لا يكون ربا حراما أولى ، ولو كان له عليه ألف درهم [ ص: 32 ] مؤجلة ثمن خادم فصالحه على أن يردها عليه بخمسمائة قبل الأجل أو بعده غير أنه لم ينتقدها أو انتقدها إلا درهما منها فهو فاسد عندنا ; لأنه شراء ما باع بأقل مما باع قبل نقد الثمن ، وقد بينا ذلك في البيوع وذكرنا أنه لو كان بعيب عند المشتري جاز ذلك ; لأن الربح لا يظهر إذا عاد إليه لا على الوجه الذي خرج من ملكه .

ولو ادعى عليه ألف درهم فأقر بها أو أنكرها فصالحه منها على مائة درهم إلى شهر على أنه إن أعطاها إلى شهر فهو بريء مما بقي ، وإن لم يعطها إلى شهر فمائتا درهم لم يجز ; لأنه في معنى شرطين في عقد حين لم يقاطعه على شيء معلوم ، وهو مبادلة الأجل ببعض المقدار أيضا فيكون ربا حراما .

وكذلك لو قال أصالحك على مائتي درهم إلى شهر ، فإن عجلتها قبل الشهر فهي مائة فهذا والأول سواء ، وكذلك لو صالحه على أحد شيئين سماهما أو أشار إليهما ، ولم يعزم على أحدهما لم يجز لتمكن الجهالة فيما وقع عليه الصلح ، والمصالح عليه بمنزلة المبيع فكان هذا في معنى صفقتين في صفقة ، وكذلك لو كان الصلح من أحد الشيئين على الشك أو مع أحد هذين الرجلين على الشك ; لأن هذه الجهالة تفضي إلى المنازعة ، ولو أقر له بألف درهم ، ثم صالحه منها على عبد على أن يخدم الرجل المدعى عليه شهرا لم يجز ; لأن المصالح عليه مبيع ، وقد شرطا التأجيل في تسليمه شهرا أو شرط البائع لنفسه منفعة لا يقتضيها العقد .

وكذلك لو صالحه على دار واشترط سكناها شهرا أو صالحه على عبد على أن يدفعه إليه بعد شهر ، وكذلك لو صالحه على ثوب على أن يعطيه قميصا ويخيطه أو صالحه على طعام على أن يطبخه له أو يحمله إلى منزله ; لأنه شرط منفعة لا يقتضيها العقد وذلك مفسد للبيع فكذلك الصلح ، وإن صالحه على طعام بعينه في الكوفة على أن يوفيه إياه في منزله فهو جائز استحسانا بخلاف ما لو شرط أن يوفيه بالبصرة ، وقد تقدم بيان هذه الفصول في البيوع والله - تعالى - أعلم بالصواب

.

التالي السابق


الخدمات العلمية