صفحة جزء
( باب جناية الرهن بعضه على بعض ) ( قال رحمه الله ) : وإذا ارتهن الرجل عبدين بألف درهم وقيمة كل واحد منهما ألف ، فقتل أحدهما صاحبه فإن الباقي يكون رهنا بتسعمائة وخمسين والأصل فيه أن يقال : نصف كل واحد من العبدين مشغول بنصف الدين ونصفه فارغ ، فالنصف الذي هو مشغول من القاتل جنى على نصف شائع من المقتول نصف ذلك مما هو مشغول ونصفه مما هو فارغ ، وكذلك النصف الذي هو فارغ من القاتل جنى على نصف شائع من المقتول نصفه من المشغول ونصفه من الفارغ ، وجناية الفارغ هدر ، وجناية المشغول على المشغول هدر ، وجناية الفارغ على المشغول معتبرة ، وإنما قلنا ذلك ; لأن العبدين على ملك الراهن بعد عقد الرهن ، كما كانا قبله ، وجناية أحدهما قبل عقد الرهن على الآخر خطأ هدر ; لأن المستحق بجناية الخطأ نفس الجاني ملكا ، وهو مملوك لمولى المجني عليه ولو اعتبرت الجناية لاستحق بها على نفسه ملك نفسه وهذا لغو ، فكذلك بعد عقد الرهن لا يمكن اعتبار الجناية لحق الراهن ، وإنما يجب اعتبار الجناية لحق المرتهن ; لأن في حق المرتهن تمييز البعض عن البعض كان لثبوت حق الاستيفاء له في نصف كل واحد منهما

( ألا ترى ) : أن جناية الراهن على المرهون تعتبر لحق المرتهن ، فكذلك جناية ملك الراهن على حق المرتهن تكون معتبرة لحق المرتهن إذا عرفنا هذا فنقول : جناية الفارغ على الفارغ لو اعتبرت إنما تعتبر لحق الراهن إذ لا حق للمرتهن في المحل المجني [ ص: 168 ] عليه من حيث الاستيفاء ، فلا يعتبر ، وكذلك جناية المشغول على المشغول غير مفيد اعتبارها في حق المرتهن ; لأنه لا بد من أن يسقط ما له من الحق في أحدهما أما المجني عليه إذا جعل فائتا لا إلى بدل .

وأما الجاني إذا أقيم مقام المجني عليه بالدفع ، فإنه في حق نفسه يصير تاويا ، وإذا كان اعتبار الجناية في حق المرتهن ، وجناية المشغول على المشغول لا يفيد اعتبارها في حقه كان هدرا ، وكذلك جناية المشغول على الفارغ لو اعتبرت إنما تعتبر لحق الراهن ، فالمرتهن يتصور باعتبار هذه الجناية ; لأنها إذا لم تعتبر لم يسقط من دينه ، وإذا اعتبرت سقط بعض دينه فلهذا لا يعتبر .

وأما جناية الفارغ على المشغول فهي معتبرة لحق المرتهن ففيه توفير المنفعة عليه ; لأنها لو لم تكن معتبرة كان المجني عليه فائتا لا إلى بدل فيسقط ما كان فيها من الدين ، وإذا اعتبرت دفع الجاني بالمجني عليه ، فيتحول ما كان في المجني عليه من الدين إلى الجاني ; لفوات المشغول إلى خلف ، فإذا ظهر اعتبار جناية الفارغ على المشغول قام هذا الربع من الجاني مقام ذلك الربع من المجني عليه فيتحول ما كان فيه ، وذلك مائتان وخمسون إلى الجاني وقد كان فيه خمسمائة بحكم العقد ، فتجتمع فيه من الدين سبعمائة وخمسون ، ويسقط مائتان وخمسون حصة جناية المشغول على المشغول فإن ذلك هدر ، فيكون كالهالك من غير صنع أحد

وإذا أردت اختصار هذا الكلام قلت السبيل أن ينظر إلى مقدار الفارغ من الجاني ، فيتحول مما كان من المجني عليه قدر ذلك إلى الجاني إن كان نصفا فالنصف ، وإن كان ثلثا فالثلث وإن كان ربعا فالربع ، وإن كان عشرا فالعشر وأبو يوسف يستدل بهذه المسألة في جواز الزيادة في الدين حكما في هذه المسألة في حق العبد الجاني كذلك يجوز إثباته قصدا ولكن هذا ليس بقوي ; لأنا إنما لم نجوز الزيادة في الدين بحكم الرهن لمعنى الشيوع باعتبار تفرق التسمية ، وذلك لا يتحقق هنا ، ولو لم يقتله ولكن فقأ عينه كان الباقي ستمائة وخمسة وعشرين ، والمفقوء بمائتين وخمسين ; لأن بذهاب العين المفقوءة تلف نصف نصفه ، وبقي النصف ، فإنما يبقى فيه نصف ما كان من الدين وذلك مائتان وخمسون ، والذي كان في العين مائتان وخمسون ، ونصف الجاني فارغ فيتحول بحساب ذلك إلى الجاني باعتبار جناية الفارغ على المشغول ، وذلك مائة وخمسة وعشرون ، ويسقط نصفه بجناية المشغول على المشغول ، فيجمع في الفاقئ ستمائة وخمسة وعشرون ولا يفتكهما إلا جميعا ; لاتحاد العقد فيهما ولو أن المفقوءة عينه فقأ بعد ذلك عين الفاقئ بقي في الفاقئ الأول ثلثمائة واثنا عشر ونصف ; لأن نصفه فات بفقء العين ، وقد كان الدين فيه ستمائة وخمسة وعشرين ، فبعد فوات النصف إنما يبقى فيه نصف [ ص: 169 ] ذلك ، وهو ثلثمائة ، واثنا عشر ونصف ولحق الفاقئ الآخر مائة وستة وخمسون وربع ; لأن الفاقئ الآخر نصفه فارغ باعتباره يتحول نصف ما كان في عين المفقوء إليه بجناية الفارغ على المشغول ، ويسقط نصفه بجناية المشغول على المشغول والذي كان في العين المفقوءة ثلثمائة واثنا عشر ونصف يسقط ويلحق الفاقئ الآخر نصفه ، وذلك مائة وستة وخمسون وربع مع المائتين والخمسين التي كانت بقيت فيه ، ولو كان كل واحد منهما فقأ عين الآخر مما ذهب من الدين ربعه ، وبقي في عنق كل واحد منهما ثلاثة أرباع خمسمائة ; لأن في عيني الفاقئ في كل واحدة منهما : نصف الخمسمائة يتحول نصف ذلك من المجني عليه إلى الجاني باعتبار جناية الفارغ على المشغول ويسقط نصفه حصة جناية المشغول على المشغول ، فإنما يسقط مما في كل واحدة منهما : ربع خمسمائة ، ويكون كل واحد منهما مرهونا من الحاصل بثلاثة أرباع خمسمائة .

التالي السابق


الخدمات العلمية