صفحة جزء
( قال - رحمه الله - ) : " وإذا دفع الرجل إلى الرجلين ألف درهم مضاربة بالنصف وقال : لهما اعملا برأيكما أو لم يقل فاشترى أحدهما بنصف المال بأمر صاحبه وباعه حتى أصاب مالا وعمل الآخر بنصف المال بغير أمر صاحبه حتى أصاب مالا فالعامل بغير أمر صاحبه مخالف ضامن لنصف رأس المال ; لأن صاحب المال فوض التصرف في المال إلى رأيهما ولم يرض برأي أحدهما فيه والعامل بغير أمر صاحبه ينفرد بالرأي فيه حقيقة وحكما فيكون مخالفا ضامنا ، وما يحصل بتصرفه من الربح له ويتصدق بالفضل لحصوله له بسبب حرام ، وأما الذي عمل بأمر صاحبه فتصرفه حاصل برأيهما حكما فيكون على المضاربة ، ويؤخذ مما في يده نصف رأس المال والباقي بين المضاربين ورب المال على الشرط كما لو عملا فيه ، فإن توي ما في يد العامل بغير أمر صاحبه وهو معسر فإن رب المال يأخذ جميع رأس المال مما في يد المضارب [ ص: 49 ] الذي عمل بأمر صاحبه ; لأن الربح لا يظهر ما لم يصل إليه جميع رأس ماله وما أخذه العامل الآخر تاو فهو بمنزلة ما لو غصب بعض رأس المال إنسان أو استهلكه وتوي بدله عليه ، ثم عملا بما بقي وفي هذا يأخذ رب المال جميع رأس ماله ثم قسمة الربح بينهما بعد ذلك .

( ألا ترى ) أنه لو هلك جميع المال إلا عشرة دراهم فتصرفا فيها حتى أصابا مالا فإنه يأخذ رب المال جميع رأس ماله أولا ؟ فهذا مثله فإن بقي من الربح شيء أخذ رب المال نصفه وأخذ هذا المضارب ربعه ، والربع الباقي نصيب المضارب المخالف من الربح فلا يدفع إليه ; لأن نصف رأس المال دين عليه ، وصاحب الدين إذا ظفر بجنس حقه من مال المديون يأخذه لحقه وإذا ظهر أنه لا يدفع إليه قلنا : إن كان هذا الربع مثل ما توي من حصته من الربح أخذ رب المال والموافق ربع الربح الذي صار للمخالف فاقتسماه أثلاثا على مقدار حقهما في الربح

. وإن كان ما توي عليه أكثر من حصته من الربح أو أقل تراجعوا بالفضل .

وبيان ذلك أن المال الذي كان في يد الموافق إن كان ألفا وخمسمائة فأخذ رب المال رأس ماله ألفا بقي خمسمائة فيجمع إلى نصف رأس المال الذي استهلكه المضارب الآخر فيقسم على أربعة أسهم : لرب المال من ذلك النصف ، وللمضارب العامل بأمر صاحبه الربع وذلك مائتان وخمسون وبقيت حصة المضارب الآخر وهو الربع وذلك مائتان وخمسون يحسب لهما عليه ويقسم رب المال والمضارب الآخر خمسمائة العين على ثلاثة أسهم ويرجعان على المضارب الذي استهلك نصف رأس المال بمائتين وخمسين درهما فيقسمانها على ثلاثة أسهم ، فإذا فعل ذلك وصل إلى رب المال خمسمائة وإلى المضارب الموافق مائتان وخمسون وسلم للآخر مما عليه مائتان وخمسون فاستقام الحساب .

ولو لم يهلك ما في يده ولكن هلك ما في يد العامل بأمر صاحبه فإن رب المال يضمن المضارب المخالف نصف رأس ماله ليس له غير ذلك ; لأن نصف رأس المال صار دينا عليه بالخلاف ، وتصرفه كان لنفسه .

ولو كان حين قبضا الألف مضاربة اقتسماها نصفين فاشترى أحدهما بنصف المال عبدا ثم أجاز صاحبه شراءه لم يكن العبد من المضاربة بإجازته ; لأن الإجازة إنما تعمل في العقد الموقوف ، والشراء هنا نافذ على المشتري فلا يكون إجازة الآخر تنفيذا للعقد فيكون وجوده كعدمه .

ولو اشتريا جميعا بالألف عبدا ثم باعه أحدهما بثمن معلوم فأجازه صاحبه جاز لأن البيع من أحدهما توقف على إجازة الآخر باعتبار أنه تعذر تنفيذه على العاقد ; ولأن ملك العين لغيره فتكون إجازته ، في الانتهاء كإذنه في الابتداء وهو [ ص: 50 ] نظير فضولي باع مال الغير فأجازه المالك ينفذ بإجازته ولو اشترى لغيره ينفذ الشراء على العاقد ولا يتغير ذلك بإجازة المشتري له . وكذلك لو أجازه رب المال ; لأن ملك العين لرب المال ، والمضارب الآخر عامل له في الإجازة فإذا كان العقد ينفذ بإجازة الآخر فبإجازة رب المال أولى ، والبائع هو الذي يلي قبض الثمن من المشتري ; لأن قبض الثمن من حقوق العقد فيتعلق بالعاقد وليس للآخر أن يأخذ المشتري بشيء من الثمن إلا بوكالة من البائع ; لأن المشتري لم يعامله بشيء .

ولو كان أحدهما باع العبد بشيء بعينه فأجازه صاحبه ففي القياس لا تعمل إجازته ; لأن في بيع المقابضة كل واحد من العاقدين يكون مشتريا عرض صاحبه وقد بينا أن الشراء لا يتوقف على الإجازة كما اشتراه بالدراهم وإذا لم تعمل إجازته فيما اشتراه صاحبه فكذلك لا تعمل في البدل الآخر .

وفي الاستحسان ينفذ العقد بإجازته ويكون بدله من المضاربة ; لأن في العرض الذي هو من جهته هو بائع وبيعه يتوقف على إجازة صاحبه وتجعل إجازته في الانتهاء بمنزلة إذنه في الابتداء ، فمن ضرورة أعمال إجازته في نفوذ العقد به في أحد البدلين أعماله في البدل الآخر ، ثم هذا العقد في أحد البدلين شراء وفي البدل الآخر بيع ولكنا رجحنا جانب البيع ; لأن العوض الآخر مذكور في العقد على وجه الثمن فإنهما قرنا به حرف الباء وحرف الباء يصحب الأبدال والأثمان .

وفي ترجيح جانب البيع بصحيح العقد على الوجه الذي قصد العاقد عند الإجازة وبقي الضمان على التصرف ، والضمان لا يلزمه بالشك فلهذا رجحنا جانب البيع فإن لم يجز الآخر حتى قبض البائع ما باع به العبد فباعه ، ثم إن المضارب الآخر أجاز ما صنع من ذلك فإجازته باطلة ; لأنه أجاز بيعه قبل إجازته معناه أنه مشتر للعرض الآخر ، وأكثر ما فيه أنه اشتراه ببدل يستحق فيملكه بالقبض وينفذ بيعه من جهته وبعد ما نفذ بيعه من جهة لا يصير للمضاربة بإجازة الآخر فإذا بطلت الإجازة يسترد العبد من المشتري فيكون على المضاربة وعلى البائع ضمان الذي قبضه وباعه ; لأنه لما استحق ما يقابله ظهر أنه ملكه بالقبض بسبب فاسد ، وقد تعذر رده حين باعه فعليه إن كان له مثل وقيمته إن لم يكن له مثل ، ولو كان رب المال هو الذي أجاز بيع العبد بشيء بعينه قبل أن يحدث العامل في ثمنه شيئا جاز بيع العبد للعامل البائع وله ثمنه وهو ضامن قيمة العبد لرب المال ; لأنه كان اشترى العرض لنفسه وأعطى العبد بمقابلته قرضا على نفسه ، ورب المال مالك للإقراض فيصير بالإجازة كأنه أقرضه العبد واستقرض الحيوان وإن كان فاسدا ولكنه يملك بالقبض وينفذ فيه تصرف المستقرض ، [ ص: 51 ] وهو ضامن قيمته للمقرض وقد بطلت المضاربة ; لأنها صارت دينا على المضارب البائع وذلك ينافي عقد المضاربة ولم يحصل الحكم عند إجازة المضارب الآخر بهذه الصفة ; لأن المضارب الآخر لا يملك الإقراض في مال المضاربة فلا يمكن إعمال إجازته بطريق إقراض العبد من صاحبه فاشتغلنا بترجيح جانب البيع لإعمال إجازته ورب المال يملك الإقراض فأمكن أن يجعل إجازته إقراضا منه فلهذا لم يشتغل فيه بترجيح جانب البيع .

التالي السابق


الخدمات العلمية