صفحة جزء
ولو اشترى ببعض الجارية ثيابا ، ثم فتلها أو قصرها بأجر أو صبغها بأجر ، فله أن يبيعها مرابحة على الثمن والأجر ; لأن هذا مما جرى الرسم به بين التجار في إلحاقه برأس المال .

ولو مر على العاشر ، فعشره لم يلحق ذلك برأس المال ; لأن ذلك إما أن يكون زكاة فلا يلحقه برأس المال ، وإما أن يكون غصبا فلا بيع على ما غصب منه مرابحة .

ولو اشترى المتاع بجميع المال ثم قصره من ماله ، فهو متطوع لا يرجع به على رب المال ، ولا ضمان عليه إن قال له رب المال اعمل فيه برأيك أو لم يقل ; لأن القصارة تزيل الدرن ولا تزيد في العين شيئا من مال المضاربة ، فلا يصير هو مخالفا بما صنع ; لأنه زاد المتاع خيرا بما صنع ، وهو متطوع في ذلك ; لأن رب المال لم يرض برجوعه عليه بشيء في ذمته ، فعمله ذلك في متاع المضاربة ومتاع أجنبي آخر سواء .

وإذا باعه مساومة أو مرابحة كان الثمن كله على المضاربة .

وكذلك لو فتل الثوب أو صبغه أسود من ماله فنقصه ذلك أو لم يزد فيه ، وإن صبغه من ماله صبغا يزيد كالعصفر والزعفران . وإن كان رب المال أمره أن يعمل في ذلك برأيه

فلا ضمان عليه .

وإن كان لم يأمره [ ص: 76 ] لذلك فهو ضامن للثياب ; لأنه خلط ماله بمال المضاربة ، والصبغ مال متقوم للمضارب .

وقد بينا أن المضارب بالخلط يصير ضامنا إذ لم يقل له رب المال : اعمل فيه برأيك . ثم إن لم يكن فيه فضل على رأس المال ، فرب المال بالخيار إن شاء أخذه برأس ماله وأعطى المضارب ما زاد على الصبغ فيه يوم يختصمون ، وإن شاء سلم له الثوب وضمنه قيمته ; لأن الثوب كله لرب المال ، والمضارب فيما صنع بمنزلة من غصب ثوب إنسان وصبغه ، فإن لم يختر شيئا حتى باعها المضارب مساومة أو مرابحة ، جاز بيعه ; لبقاء عقد المضاربة بينهما في الثوب بعد الصبغ ; لأن المضارب في البيع كالوكيل ، والوكالة بالبيع لا تبطل بالخلاف من طريق الفعل ، وبرئ من ضمانه ; لأنه عاد إلى الوفاق من بعد تصرفه على المضاربة ، ويقسم الثمن في المساومة على قيمة الثوب وقيمة ما زاد الصبغ فيه ، فيكون حصة الصبغ للمضارب ، ويستوفي رب المال رأس ماله من حصة الثوب والباقي ربح بينهما على الشرط ; لأن الصبغ عين مال قائم في الثوب للمضارب ، وقد تناوله البيع كالثوب فيقسم الثمن عليهما ، بخلاف القصارة ، وإن كان باعه مرابحة قسم الثمن على ما اشترى به المضارب وعلى أجر الصبغ يوم صبغ ; لأن الثمن في بيع المرابحة مبني على الثمن الأول فيقسم عليه .

وفي بيع المساومة بمقابلة الملك فيقسم على قدر الملك ، وإن كان صبغه أسود ، فكذلك الجواب عندهما ; لأن السواد عندهما زيادة كالحمرة ، وعند أبي حنيفة السواد في الثوب نقصان .

فهو بمنزلة الفتل والقصارة في أنه لا حصة للمضارب من الثمن ولا ضمان عليه ; لأنه لم يخلط مال المضاربة بمال متقوم له .

التالي السابق


الخدمات العلمية