صفحة جزء
ولو خرج المضارب بالمال إلى مصر فاشترى بها كلها ثيابا ثم ، استكرى عليها بغالا بمائة درهم فجعله إلى مصره ، فله أن يبيعها مرابحة على ألف ومائة ; لأن الكراء مما جرى الرسم به بين التجار بإلحاقه برأس المال ، وقد بينا في البيوع إنما جرى العرف به بين التجار في إلحاقه برأس المال فله أن يلحقه به في بيع المرابحة ، وعلى هذا أجر السمسار ، فإن باعه مرابحة بألفي درهم كانت حصة المضارب من ذلك من كل أحد عشر سهما عشرة أسهم بينهما على شرطهما ، وحصة الكراء سهم واحد بينهما نصفان ; لأن الثمن في بيع المرابحة مقسوم على رأس المال الأول ، وذلك ألف درهم التي غرمها في شراء الثياب ، والمائة التي غرمها في الكراء ، فإذا جعلت كل مائة سهما ، كان على أحد عشر سهما : سهم من ذلك حصة الكراء وهو استدانة فيكون بينهما نصفين .

ولو باعها مساومة كان جميع الثمن في المضاربة على الشرط بينهما ; لأن الثمن في بيع [ ص: 182 ] المساومة بمقابلة الملك ، والملك الذي تناوله البيع الثياب دون منفعة الحمل من مصر إلى مصر ، وقد كان جميع الثياب على المضاربة ، فيكون الثمن كله في المضاربة على الشرط بينهما ، بخلاف ما تقدم من مسألة الصبغ ; لأن الصبغ عين مال قائم في الثوب يتناوله البيع ، ثم غرم الكراء على المضارب ورب المال نصفان ; لأن المضارب كان مستدينا فيها بأمر رب المال ، ففعله كفعلهما جميعا ; فلهذا كان غرم الكل عليهما نصفين .

ولو لم يكن استكرى به ولكنه استقرض مائة درهم فاستكرى بها بأعيانها دواب يحمل على كل دابة كذا وكذا ثوبا فله أن يبيعها مرابحة على ألف ومائة ، وهذا قول أبي حنيفة - رحمه الله - وإن لم ينص عليه في الكتاب ، وفي قول أبي يوسف ومحمد - رحمهما الله - يبيع الثياب مرابحة على ألف درهم ، ولا يدخل في ذلك حصة الكراء ، وأصل المسألة فيما إذا اكترى دواب للثياب بمائة من مال نفسه ; لأن ما استقرض له خاصة ثم وجه قولهما : أنه متطوع فيما أدى من مال نفسه في الكراء .

ولو تطوع إنسان آخر بحمل الثياب على دوابه ; لم يكن للمضارب أن يلحق ذلك برأس المال ، فكذلك إذا تطوع المضارب به وأبو حنيفة - رحمه الله - يقول : المضارب في حمل الثياب كالمالك ; لأنه محتاج إلى ذلك لتحصيل حصة الربح ، والمالك لو استكرى دواب للثياب المشتراة بماله كان له أن يلحق ذلك برأس المال في بيع المرابحة ، فكذلك للمضارب أن يلحق الكراء برأس المال ، فيبيعها مرابحة على ألف ومائة ، فإن باعها بألفين كانت عشرة أسهم من أحد عشر سهما .

من ذلك حصة المضاربة على شرطهما ، وسهم واحد للمضارب خاصة ، وإن باعها مساومة كان الثمن كله مضاربة ; لأن الثمن بمقابلة الثياب هنا ، والثياب كلها مال المضاربة ، وضمان الكراء في مال المضاربة خاصة ; لأنه هو المستقرض فعليه ضمان ما استقرضه ، فإن قال المضارب لرب المال : إنما استكريت الدواب لك : تحمل ثيابك ، وقال رب المال : إنما استكريت بمالك لنفسك ، ثم حملت ثيابي عليها ، فالقول قول رب المال ; لأنه استكرى بالمائة التي استقرض بعينها ، وملك المائة للمضارب ، فإضافته العقد إلى مال نفسه دليل على أنه استكراها لنفسه .

التالي السابق


الخدمات العلمية