صفحة جزء
ولو دفع إليه أرضا وبذرا يزرعها سنته هذه بالنصف ، وقال له : اعمل فيه برأيك ، فدفعها المزارع إلى آخر مزارعة على أن للمزارع الآخر الثلثين مما تخرج الأرض ، وللأول الثلث ، فهذا فاسد ; لأن إيجاب الأول للثاني إنما يصح في مقدار نصيبه من الخارج ، وقد أوجب له أكثر من نصيبه ، فالزيادة على مقدار نصيبه إنما يوجبها له في نصيب رب الأرض والبذر ، وهو غير راض بذلك ، أو قال له : اعمل فيه برأيك ; لأنه فوض الأمر إلى رأيه على العموم على أن يكون له نصف الخارج ; فلهذا فسد العقد ، وإذا حصل الخارج كان للآخر أجر مثله على الأول ; لأنه استوفى عمله بحكم عقد فاسد جرى بينهما ، والزرع بين رب الأرض والمزارع الأول نصفان ; لأن عمل أجيره إجارة فاسدة بمنزلة عمل أجيره أن لو استأجره بالدراهم إجارة صحيحة ، وذلك كعمله بنفسه ، فيكون الخارج بينهما على الشرط ، ويطيب لهما ذلك ; لأنه لا فساد في العقد الذي جرى بينهما ، وإنما الفساد في العقد المعقود على عمل المزارع الآخر ، ولسببه لا يتمكن الخبث في الخارج . قال ولا يشبه هذا المضاربة يريد به ما بينا في كتاب المضاربة : في هذه الصورة بعينها ; لأن للمضارب الآخر نصف الربح نصيب المضارب الأول ، ويرجع على الأول [ ص: 75 ] بسدس الربح ; لأن الربح دراهم أو دنانير ، فاستحقاق رب المال بعض ما شرطه الأول للثاني لا يبطل العقد بينهما ، ولكن يثبت للآخر حق الرجوع على الأول بمثله ، كما لو استأجره بدراهم أو دنانير بأعيانها ، فاستحقت ، وفي المزارعة الذي أوجبه الأول للآخر طعام بعينه ، وهو الخارج من الأرض ، واستحقاق رب الأرض والبذر بعض ما أوجبه له يبطل العقد الذي جرى بينهما يوضح الفرق أنه لا مجانسة بين الآخر ، وبين الخارج من الأرض ، فلا يمكن الجمع بينهما للمزارع الآخر بعقد واحد ، وفي المضاربة الأجر من جنس الربح ، فيجوز أن يجمع بينهما للمضارب الآخر على أن ما يأخذ مما شرط له من الربح مقدار ما تمكن الأول من تسليمه إليه ، ويرجع عليه بما زاد على ذلك إلى تمام حقه دراهم أو دنانير ، ولو لم يكن قال له اعمل فيه برأيك ، والمسألة بحالها كان المزارع الأول مخالفا ، والخارج بينه وبين الآخر أثلاثا على شرطهما ، ويضمن رب الأرض بذره أيهما شاء وفي نقصان الأرض اختلاف ، كما بينا ، ولو كان رب الأرض قال للأول : اعمل فيه برأيك على أن ما رزق الله - تعالى - في ذلك من شيء فهو بيننا نصفان ، والمسألة بحالها كان ثلثا الزرع للآخر ، والثلث بين الأول ورب الأرض نصفان ; لأن رب الأرض ما شرط هنا لنفسه نصف الخارج ، بل نصف ما يرزقه الله - تعالى - المزارع الأول ، وذلك ما وراء نصيب المزارع الآخر ، فكان للمزارع الآخر جميع ما شرط له ، والباقي بين الأول ورب الأرض نصفان على شرطهما

التالي السابق


الخدمات العلمية