صفحة جزء
( قال - رحمه الله ) - : وإذا دفع رجل إلى رجل أرضا سنته هذه على أن يزرعها ببذره وعمله بالنصف ، فأخرجت الأرض زرعا كثيرا ، والأرض أرض عشر ، ففي قياس قول أبي حنيفة على قول من أجاز المزارعة يكون للمزارع نصف الخارج كاملا ، ويأخذ السلطان عشر جميع الخارج من نصيب صاحب الأرض ، إن كانت تشرب سحا أو تسقيها السماء ، وإن كانت تسقى بدلو ، أو دالية فنصف عشر جميع الخارج على صاحب الأرض ; لأنه مؤاجر لأرضه بجزء من الخارج ، ومن أصل أبي حنيفة - رحمه الله - أن من أجر أرضه العشرية فالعشر يكون على الآخر ، وعندهما العشر في الخارج على المستأجر ، فهنا أيضا عندهما العشر على كل واحد منهما في الخارج نصفان ، وإن سرق الخارج قبل القسمة أو بعد القسمة فلا عشر عليهما لفوات محل الحق ، وعند أبي حنيفة - رحمه الله - عشر جميع الخارج على رب الأرض ، فإن سرق الطعام بعد ما حصد أو حرق قبل أن يأخذ السلطان العشر يبطل عن رب الأرض نصفه ، ولزمه في ماله نصفه ; لأن حصة النصف الذي صار للمزارع من العشر صار دينا في ذمة رب الأرض ، فلا يسقط ذلك عنه بهلاك الخارج ، وفي النصف الذي هو ملك رب الأرض العشر باق في عينه ، فإذا هلك سقط عشر ذلك عنه ; لفوات المحل وكذلك لو كان البذر من قبل رب الأرض ، فإنه مستأجر للعامل بنصف الخارج ، فيكون عشر الكل عليه عند أبي حنيفة ; لأن العشر مؤنة الأرض النامية ، كالخراج ، وهو المالك للأرض ، فإذا سرق الطعام بعد الحصاد سقط عنه النصف حصة نصيبه من الخراج ، وأما حصة نصيب المزارع فصارت دينا في ذمته بتمليكه إياه من المزارع فلا يسقط ذلك عنه بهلاك الخارج ، ولو أجر أرضه من رجل بمائة درهم يزرعها هذه السنة ، فأخرجت زرعا كثيرا ثم توي الأجر على المستأجر - فعشر جميع الطعام على رب الأرض [ ص: 98 ] في قول أبي حنيفة - رحمه الله - وقد صار ذلك دينا في ذمته ، وللآخر دين له على المستأجر ، فإن توي دينه على المستأجر فإن سرق طعام المستأجر لا يسقط عن المؤاجر العشر الذي صار دينا عليه . ولو استحصد الزرع فلم يحصد حتى هلك فالأجر واجب ; لأن وجوب الأجر بالتمكن من استيفاء المعقود عليه ، وقد تمكن المستأجر من ذلك وقد استوفاه حقيقة ، ولا عشر على واحد منهما ; لأن وجوب العشر عند الحصاد ، قال الله تعالى : { وآتوا حقه يوم حصاده } وإنما يصير دينا في ذمة الآجر بعد وجوبه ، فإذا هلك الخارج قبل الحصاد لم يكن عليه شيء ، بخلاف ما إذا هلك بعد الحصاد ; لأن العشر قد تقرر وجوبه هنا وصار دينا في ذمة الآجر . وكذلك في المزارعة إذا هلك الزرع بعد ما استحصد قبل أن يحصد فلا عشر على واحد منهما في القولين جميعا ، سواء كان البذر من قبل رب الأرض أو من قبل المزارع ; لأن المحل فات قبل أن يأتي وقت وجوب العشر ، فهو بمنزلة ما لو استهلك النصاب قبل تمام الحول ، والهلاك هنا في حق المؤاجر بمنزلة الاستهلاك في مال الزكاة حتى إذا استهلك بعد تمام الحول فالزكاة دين عليه ، فإذا هلك هنا بعد الحصاد يكون العشر دينا عليه ، وكذلك الجواب في معاملة النخيل والكروم ، وهو مثل الجواب في المزارعة أنه إذا هلك قبل الجذاذ فلا عشر على رب النخيل ، وإن هلك بعد الجذاذ فعشر نصيب العامل دين عليه في قول أبي حنيفة ، فإن الجذاذ في الثمار بمنزلة الحصاد في الزرع ، وإن استهلكه رجل فليس على رب النخيل في حصته شيء من العشر إلا أن يستوفي بدله من المستهلك ، فحينئذ يؤدي عشره ; لأن المحل فات وأخلف بدلا ، وإن استوفى منه بعض البدل يؤدي العشر بقدر ذلك اعتبارا للجزء بالكل . ولو صالح الإمام قوما من أهل الحرب على أن صاروا ذمة له ، ووضع على رءوسهم شيئا معلوما ، وجعل خراج أراضيهم ونخيلهم وأشجارهم المناصفة - فذلك جائز ; لأنه نصب ناظرا للمسلمين ، وربما يكون خراج المقاسمة أنفع للفريقين من خراج الوظيفة .

التالي السابق


الخدمات العلمية