صفحة جزء
وإذا كان النخيل بين رجلين فدفعه أحدهما إلى صاحبه سنته هذه على أن يقوم عليه ويسقيه ويلقحه فما خرج من ذلك فهو بينهما : للعامل ثلثاه وللآخر ثلثه - فهذا فاسد ; لأن الذي شرط الثلث لنفسه استأجر صاحبه للعمل في نصيبه بثلث الخارج من نصيبه ، وهو إنما يعمل فيما هو شريك لنفسه فيه ، واستئجار أحد الشريكين صاحبه للعمل فيما هو فيه شريك باطل ، والخارج بينهما نصفان لا يتصدق واحد منهما بشيء منه ، ولا أجر للعامل على شريكه ; لأن قيام الشركة بينهما فيما يلاقيه عمله يمنع تسليم عمله إلى صاحبه . ولو كان اشترطا أن الخارج نصفان جاز وكان العامل معينا لشريكه بعمله في نصيبه ، فإن كان الذي لم يعمل أمر العامل أن يشتري ما يلقح به النخل فاشتراه - رجع عليه بنصف ثمن ذلك في المسألتين جميعا ; لأنه وكيل في شراء نصف ما يلقح به النخل له وقد أدى الثمن من عنده فيرجع عليه بذلك ، بخلاف العمل فإنه لا قيمة للعمل إلا بتسمية العوض وتسليم تام إلى من يكون العمل له ، والشركة تمنع من ذلك ، وهو نظير عبد بين اثنين أمر أحدهما صاحبه بأن يشتري له نفقة فينفق عليه بنصف الثمن ، ولو استأجره ليحلق رأسه بأجر لم يستوجب الأجر على شريكه لهذا المعنى ، ثم ما يذكر من التلقيح في النخل أنواع معلومة عند أرباب النخيل : منها ما يشترى فيدق ويذر على مواضع معلومة من النخيل . ومنها ما يوجد من فحولة النخل مما يشبه الذكر من بني آدم ثم يشق النخلة التي تحمل فيغرز ذلك فيها على صورة الوطء بين الذكور والإناث ، ولما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا النوع من أهل المدينة فاستقبحه ونهاهم عن ذلك فأحشفت النخل في تلك السنة فقال : عهدي بثمار نخيلكم على غير هذه الصفة . قالوا : نعم . وإنما كانت تجيد الثمار بالتلقيح فانتهينا إذ منعتنا فأحشفت . [ ص: 110 ] فقال عليه الصلاة والسلام : إذا أتيتكم بشيء من أمر دينكم فاعملوا به ، وإذا أتيتكم بشيء من أمور دنياكم فأنتم أبصر بدنياكم . وقيل إن النخيل على طبع الآدمي ، فإن النخلة خلقت من فضل طينة آدم عليه الصلاة والسلام على ما قال عليه الصلاة والسلام : { أكرموا النخلة فإنها عمتكم } ، ولهذا لا تثمر إلا بالتلقيح كما لا تحمل الأنثى من بنات آدم إلا بالوطء ، وإذا قطعت رأسها يبست من ساعتها كالآدمي إذا جز رأسه . ولو اشترطا على أن يعملا جميعا فيه ويسقياه ويلقحاه بتلقيح من عندهما هذه السنة فما خرج من ذلك فلأحدهما بعينه الثلثان وللآخر الثلث - فهذا فاسد ; لأن أحدهما شرط لنفسه جزءا من الخارج من نصيب صاحبه من غير أن يكون له فيه نخل ولا عمل ، أو استأجره صاحبه للعمل فيما هو شريك فيه إن كان عمله أكثر من عمل صاحبه .

التالي السابق


الخدمات العلمية