صفحة جزء
وإذا دفع رجل إلى رجلين أرضا له هذه السنة يزرعانها ببذرهما وعملهما فما أخرج الله - تعالى - منها فنصفه لأحد العاملين بعينه ، وثلثه للآخر ، والسدس لرب الأرض - فهو فاسد ; لأنهما استأجرا الأرض وشرطا أن يكون جميع الأجر من نصيب أحدهما خاصة ، فإن الآخر شرط لنفسه جميع الخارج من بذره ، ولو اشترطوا لأحدهما أربعة أعشار الخارج ، وللآخر الثلث ، ولرب الأرض ما بقي - فهو جائز ; لأن كل واحد منهما استأجر الأرض بجزء معلوم من نصيبه من الخارج : أحدهما بخمسي نصيبه ، والآخر بثلث نصيبه ، وكما يجوز التفاوت في أجرة العاملين بالشرط فكذلك في إجارة الأرض منهما . ولو اشترطوا أن نصف الخارج لأحدهما بعينه ولرب الأرض عليه مائة درهم ، وللآخر الثلث ، ولرب الأرض السدس - جاز على ما اشترطوا ; لأن أحدهما استأجر نصف الأرض بأجر مسمى ، والآخر بجزء من الخارج ، وكل واحد منهما صحيح ، وبسبب اختلاف جنس الأجر أو منفعة العقد لا تتفرق [ ص: 115 ] الصفقة في حق صاحب الأرض ، ولا يتمكن الشيوع . ولو اشترطوا على أن ما أخرجت الأرض بينهم أثلاث ، ولرب الأرض على أحدهما بعينه مائة درهم - كان فاسدا ; لأن الذي التزم المائة جمع لصاحب الأرض من نصيبه بين أجر المسمى وبعض الخارج ، وذلك مفسد للعقد ، وكذلك لو اشترطوا المائة على رب الأرض لهما كان فاسدا ; لأن رب الأرض التزم لهما مع منفعة الأرض مائة درهم بمقابلة نصف الخارج ، ففيما يخص المائة من الخارج هو مشترى منهما ، وشراء المعدوم باطل ففسد العقد لذلك . ولو اشترطا المائة على رب الأرض لأحدهما بعينه ، وقد اشترطوا أن الخارج بينهما أثلاث . ففي قياس قول أبي حنيفة - رحمه الله على قول من أجاز المزارعة : هذه مزارعة فاسدة ، والخارج لصاحبي البذر ، ولرب الأرض عليهما أجر مثل الأرض . وفي قول أبي يوسف ومحمد - رحمهما الله - : المزارعة بين رب الأرض والمزارع الذي لم يشرط عليه المال جائزة ، فيأخذ هو الثلث ، ورب الأرض السدس ، ويكون نصف الخارج للمزارع الآخر ، وعليه لرب الأرض أجر مثل نصف أرضه ; لأن رب الأرض هنا إنما صار مشتريا بعض نصيب أحدهما بما شرط له من المائة ، فإنما تمكن المفسد فيما بينهما ، إلا أن من أصل أبي حنيفة - رحمه الله - أن الصفقة الواحدة إذا فسد بعضها فسد كلها . ومن أصلهما أن الفساد يقتصر على ما وجدت فيه العلة المفسدة ، وقد بينا نظائره في البيوع . وقيل : بل هذا ينبني على إجارة المشاع ، فإن العقد لما فسد بين رب الأرض وبين الذي شرط عليه المائة : فلو صح في حق العامل الآخر كان إجارة نصف الأرض مشاعا ، وذلك لا يجوز عند أبي حنيفة - رحمه الله - خلافا لهما ، والأول أصح ; لأن العقد مع الفساد منعقد عندنا فلا يتمكن بهذا المعنى الشيوع في أصل العقد . والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية