صفحة جزء
( قال رحمه الله ) : وإذا دفع الرجل لرجل نخلا له معاملة هذه السنة على أن يقوم عليه ويسقيه ، ويلقحه فما خرج منه فهو نصفان ، ولم يأمره أن يعمل في ذلك برأيه فدفعه العامل إلى رجل آخر ، معاملة على أن للآخر ثلث الخارج فعمل على ذلك - فالخارج كله لصاحب النخل ، وللعامل الآخر على الأول أجر مثله ، ولا أجر للأول على رب النخل ; لأن العامل الأول خالف أمر رب النخل حين دفعه إلى غيره معاملة ، فإن رب النخيل إنما رضي بشركته في الخارج لا بشركة الثاني ، فهو حين أوجب الشركة في الخارج للعامل الثاني صار مخالفا لرب النخل فيما [ ص: 116 ] أمره به بمنزلة الغاصب فلا يستوجب عليه الأجر بعد ما صار غاصبا ، سواء أقام العمل بنفسه أو بنائبه ، ثم العامل الأول استأجر الثاني بثلث الخارج ، وقد حصل الخارج ولم يسلم له لاستحقاق رب النخل ذلك عليه ، فإنه متولد من نخله فلا يستوجب عليه بدون رضاه ، وهو ما رضي بأن يستحق الثاني شيئا من الخارج ففسد العقد بينهما لاستحقاق الأجرة ، فيرجع على العامل الأول بأجر مثله ، فإن هلك الثمر في يد العامل الآخر من غير عمله ، وهو في رءوس النخل بآفة أصابته ، فلا ضمان عليه ولا على الأول ; لأنهما بمنزلة الغاصبين ، والزيادة المتولدة من عين المغصوب إذا تلفت من غير صنع أحد لا تكون مضمونة . وإن هلك من عمل الأجير شيء : فإن كان ذلك عملا خالف فيه ما أمره العامل الأول فالضمان فيه لصاحب النخل على العامل الآخر دون الأول ; لأنه مباشر للإتلاف ، وإنما أتلفه بفعل أنشأه من عنده ، ولم يكن مأمورا به من جهة العامل الأول ، فيقتصر حكم ذلك الفعل عليه ، كولد المغصوبة إذا أتلفه متلف في يد الغاصب كان الضمان على المتلف دون الغاصب . وإن هلك في يدي من عمل في شيء لم يخالف فيه ما أمره به الأول فلصاحب النخل أن يضمن أي العاملين شاء ; لأن الثاني وإن باشر الإتلاف ، ولكن كان عاملا ذلك العمل للأول حين استوجب بمعاملته الأجر عليه ، فيكون عمله كعمل الأول بنفسه فلصاحب العمل أن يضمن أيهما شاء فإن ضمن الآخر رجع على الأول بما ضمن ; لأنه مغرور من جهته حين عمل له بأمره ، وإن ضمن الأول لم يرجع على الآخر ; لأنه حين ضمن صار كالمالك ولو كان رب النخل أمر الأول أن يعمل فيه برأيه ، - والمسألة بحالها - فدفعه إلى الآخر - جاز ; لأنه فوض الأمر إلى رأيه على العموم والإشراك والدفع إلى الغير معاملة من رأيه ، ثم نصف الخارج لرب النخل ، وثلثه للآخر كما أوجبه له الأول من نصيبه ، وبقي السدس للأول وهو طيب له ; لأنه استحق ذلك بالتزام العمل بالعقد . ولو قال رب النخل للأول : ما رزقك الله فيه من شيء فهو بيننا نصفان ، أو ما أخرج الله لك ، أو قال له : اعمل فيه برأيك فدفعه إلى آخر معاملة بالثلث أو النصف - كان جائزا ، والباقي بعد المشروط للآخر بين الأول وصاحب النخل نصفين كما شرطا ; لأن الذي رزق الله العامل الأول هو الباقي ، وقد شرطا المناصفة فيه .

التالي السابق


الخدمات العلمية