صفحة جزء
وإذا استأجر الرجل في مرضه رجلا يخدمه بجارية قيمتها ثلثمائة درهم وأجر مثل الأجير في خدمته مائة درهم ; فخدمه الأجير حتى أتم الخدمة وقبض الجارية ، ثم مات المريض ولا مال له غيرها - فالأجير بالخيار : إن شاء أخذ الجارية كلها وأعطى الورثة أربعة أتساع قيمتها ، وإن شاء نقض الإجارة وردها على الورثة ; لأن المريض حابى بقدر ثلثيها حين كان أجر مثله مثل قيمة ثلثها ، والمحاباة وصية فلا تنفذ إلا في مقدار الثلث ، فاحتجنا إلى حساب لثلثيه ثلث وذلك تسعة ، فثلثها وهو ثلاثة يسلم له ، ومن الثلثين يسلم له الثلث بينهما ، وعليه إزالة المحاباة فيما وراء الثلث وذلك في أربعة أتساع قيمتها ، فإذا اختار ذلك فقد وصل إلى الورثة كمال حقهم ، وثبوت الخيار له في العقد لما لحقه من الزيادة ، وإن نقض الإجارة وردها كان له في مال الميت أجر مثله مائة درهم وتباع الجارية حتى يستوفي دينه والباقي للورثة ، وقد بطلت الوصية بالمحاباة حين اختار نقض العقد ، ولا يشبه هذا ما وصفت لك قبله من المزارعة والمعاملة إذا كان فيها محاباة ، فإن هناك إنما يسلم له مقدار أجر مثله والثلث مما يبقى بطريق الوصية ويرد الفضل .

وإذا قال : أعطي قيمة الفضل لم يكن له ذلك لأن الخارج من الزرع والثمار يحتمل التبعيض فلا يتضرر هو برد الفضل على الورثة ; فلهذا لا يكون له أن ينقل حق الورثة من العين إلى القيمة . ولو كان أجر مثل الأجير يوم وقعت الإجارة ثلثمائة درهم فدفع إليه المريض الجارية ، وخدمه الأجير جميع السنة ، ثم مات المريض ، وقد زادت الجارية في بدنها أو في السعر أو ولدت في يد الأجير قبل موت المريض بعد ما كملت السنة أو قبل أن تكمل ، وعلى المريض دين كثير - فإن الجارية بزيادتها وولدها بينهم ، يضرب الأجير في ذلك بقيمتها وقيمة ولدها يوم يختصمون ، وتضرب الغرماء بدينهم ; لأنه لا محاباة هنا فكانت الجارية وولدها للأجير ، إلا أن تخصيص المريض إياه بقضاء حقه من ماله يرد بعد موته ; فلهذا ضرب هو بقيمتها وقيمة ولدها يوم يختصمون فما أصاب الأجير كان له من الجارية وولدها ; لأن حقه في عينها ، وما أصاب الغرماء قيل للأجير : أد قيمته [ ص: 136 ] دراهم أو دنانير إلى الغرماء ; لأن حقهم في المالية ، فإن أبى أخذت الجارية وولدها وبيعا فضرب الأجير في الثمن بأجر مثله والغرماء بدينهم ; لأن العقد قد انفسخ حين أخذت من يده وانتقض قبضه فيها بسبب سابق على قبضه .

ولو كانت الجارية لم تزد ولم تلد ولكنها نقصت في السعر عند الأجير حتى صارت تساوي مائة - والمسألة بحالها - فلا ضمان على الأجير في نقصانها ; لأن نقصان السعر فتور رغائب الناس فيها ولا معتبر بذلك في شيء من عقود المعاوضات ، ويضرب الغرماء في الجارية بدينهم والأجير بقيمتها وهي مائة درهم ; لأن تخصيصه الأجير بقضاء حقه مردود بعد موته ، ثم ما أصاب الأجير فهو له من عينها ، وما أصاب الغرماء قيل للأجير : أعطهم قيمة ذلك لأن حقهم في المالية ، فإن أبى بيعت الجارية وضرب الأجير في ثمنها بأجر مثله ثلثمائة درهم ; لأن العقد قد انفسخ بانتقاض قبضه فيها ، فإنما يضرب هو بأجر مثله والغرماء بدينهم بخلاف الأول ، فهناك لم ينتقض قبضه فيها فإنما يضرب بقيمتها لذلك ، وإن نقصت في البدن حتى صارت تساوي مائة درهم فإن قيمة الجارية يوم قبضها الأجير وهي ثلثمائة بين الأجير وبين الغرماء ، فما أصاب الغرماء ضمنه لهم الأجير في ماله وتسلم له الجارية ، وليس له أن يردها لأنها دخلت في ضمانه يوم قبضها على وجه التملك بعقد المعاوضة ، وقد تعيبت في يده بالنقصان الحاصل في بدنها فلا يملك أن يردها للعيب الحادث ، ولكن يغرم للغرماء حصتهم في ماليتها يوم دخلت في ضمانه .

التالي السابق


الخدمات العلمية