صفحة جزء
. [ قال رحمه الله ] : رجل رهن عند رجل أرضا ونخلا بدين عليه له ، فلما قبضه المرتهن قال له الراهن : احفظه واسقه ولقحه على أن الخارج بيننا نصفان ففعل ذلك - فالخارج والأرض والنخيل كله رهن والمعاملة فاسدة ; لأن حفظ المرهون مستحق على المرتهن فلا يجوز أن يستوجب شيئا بمقابلته على الراهن .

[ ألا ترى ] أنه لو استأجر على الحفظ لم يجز الاستئجار ؟ فكان هذا بمنزلة ما لو شرط عليه ما سوى الحفظ من الأعمال فتكون المعاملة فاسدة والخارج [ ص: 159 ] كله لرب النخل إلا أنه مرهون ; لأنه تولد من عين رهن ، وللمرتهن أجر مثله في التلقيح والسقي دون الحفظ ; لأن الحفظ مستحق عليه بحكم الرهن ، أما التلقيح والسقي فقد أوفاه بعقد فاسد ، ولا يقال : ينبغي أن يبطل عقد الرهن بعقد المعاملة ; لأن المرهون هو النخل والأرض وعقد المعاملة يتناول منفعة العامل ، والعقد في محل لا يرفع عقدا آخر في محل آخر . وكذلك لو كان الرهن أرضا مزروعة وقد صار الزرع فيها بقلا .

ولو كان الرهن أرضا بيضاء فزارعه الراهن عليها بالنصف ، والبذر من المرتهن - جاز والخارج على الشرط ; لأن صاحب البذر مستأجر للأرض ، والمرتهن إذا استأجر المرهون من الراهن يبطل عقد الرهن ; لأن الإجارة ألزم من الرهن ، وقد طرأ العقدان في محل واحد فكان الثاني رافعا للأول ; فلهذا كان الخارج على الشرط وليس للمرتهن أن يعيدها رهنا . وإن مات الراهن وعليه دين لم يكن المرتهن أحق بها من غرمائه لبطلان عقد الرهن ، وإن كان البذر من الراهن كانت المزارعة جائزة وللمرتهن أن يعيد الأرض في الرهن بعد الفراغ من الزرع ; لأن العقد هنا يرد على عمل المزارع فلا يبطل به عقد الرهن ، إلا أن المرتهن صار كالمعير للأرض من رب الأرض .

[ ألا ترى ] أنه لو دفعها إلى غيره مزارعة برضا المرتهن ، والبذر من قبل الراهن كان المرتهن كالمعير للأرض لأنه رضي بأن ينتفع هو بالأرض ؟ وذلك بإعارة فيخرج به من ضمان الرهن ، ولكن لا يبطل به عقد الرهن ; لأن الإعارة أضعف من الرهن فيكون له أن يعيد الأرض في الرهن . وإن كان الرهن أرضا بيضاء وفيها محل فأمره الراهن بأن يزرع الأرض ببذره وعمله بالنصف ، ويقوم على النخل ويسقيه ويلقحه ويحفظه بالنصف أيضا ففعل ذلك كله فقد خرجت الأرض من الرهن وليس للمرتهن أن يعيدها فيه ، والخارج بينهما على الشرط ; لأن المرتهن صار مستأجرا للأرض .

وأما النخل والتمر فلا تصح المعاملة فيها ; لأن العقد في النخل يرد على منفعة العامل فلا يبطل به عقد الرهن ، وببقاء عقد الرهن الحفظ مستحق عليه ، ثم النخل والتمر لا يفتكهما إلا بأداء جميع الدين .

وإن هلك النخل والتمر هلك بحصة قيمة النخل من الدين مع قيمة الأرض ; لأنه صار مضمونا بذلك القدر حين رهنه ، والتمر الذي هلك صار كأن لم يكن ، وللعامل أجر مثل عمله في النخل لا في الحفظ ، وكذلك إن كان البذر من رب الأرض إلا أن الأرض تعود رهنا هنا إذا انقضت المزارعة ; لأن المرتهن هنا في معنى المعير لها من الراهن ، فإن مات الراهن كان المرتهن أحق بها من غرمائه ، سواء مات بعد ما انقضت المزارعة أو قبلها لبقاء عقد الرهن ، واختصاص المرتهن [ ص: 160 ] بالمرهون بحكم عقد الرهن . وإن نقصها الزرع شيئا ذهب من مال الراهن لما بينا أنه من ضمان الرهن حين كان المرتهن معيرا من الراهن . والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية