صفحة جزء
رجل ارتد عن الإسلام ، ثم أتي به الإمام ، وقد شرب خمرا ، أو سكر من غير الخمر ، أو سرق ، أو زنى ثم تاب ، وأسلم ، فإنه يحد في جميع ذلك ما خلا الخمر ، والسكر ، فإنه لا يحد فيهما ; لأن المرتد كافر ، وحد الخمر ، والسكر لا يقام على أحد من الكفار لما بينا أنه يعتقد إباحة سببه ، فإذا كان ارتكابه سببه في حال يعتقد إباحته لا يقام ذلك عليه ، فأما حد الزنا ، والسرقة ، فيقام على الكافر لاعتقاده حرمة سببه ، فيقام على المرتد بعد إسلامه أيضا كالذمي إذا باشر ذلك ، ثم أسلم .

وإن لم يتب ، فلا حد عليه في شيء من ذلك غير حد القذف ; لأن حد الزنا ، والسرقة خالص حق الله تعالى ، وقد صارت مستحقة لله تعالى ، فإنه يقتل على ردته ، ومتى اجتمع في حق الله تعالى النفس ، وما دونها يقتل ، ويلغى ما سوى ذلك ، وأما حد السرقة ، ففيه معنى حق العبد ، فيقام عليه ، ويضمن السرقة لحق المسروق منه ، فإن شرب ، وهو مسلم ، فلما ، وقع في يد الإمام ارتد ، ثم تاب لم يحد ، وإن كان زنى ، أو سرق أقيم عليه الحد ; لأن ما اعترض من الردة يمنع وجوب حد الخمر ، والسكر عليه ، فيمنع بقاءه ، ولا يمنع وجوب حد الزنا ، والسرقة ، فكذلك لا يمنع البقاء ، وقد قال في آخر الكتاب : إذا ارتد عن الإسلام ، ثم سرق ، أو زنى ، أو شرب الخمر ، أو سكر من غير الخمر ، ثم تاب ، وأسلم لم يحد في شيء من ذلك إلا في القذف ، فإن لم يتب لم يقم عليه أيضا شيء من الحدود غير حد القذف ، ويقتل ، وإن أخذته ، وهو مسلم شاربا خمرا ، أو زانيا ، أو سارقا ، فلما ، وقع في يدك ارتد عن الإسلام ، فاستتبته ، فتاب أقيم عليه الحدود إلا حد الخمر .

وهذه الرواية تخالف الرواية الأولى في فصل واحد ، وهو أنه إذا زنى ، أو سرق في حال ردته لا يقام عليه الحد بعد توبته كما لا يقام قبل توبته ; لأن المرتد بمنزلة الحربي ، فإنه اعتقد محاربته لو تمكن منها ، والحربي إذا ارتكب شيئا من الأسباب الموجبة للحد ، ثم أسلم لا يقام عليه الحد ، فكذلك المرتد ، وفرق على هذه الرواية بين هذا ، وبين ما إذا زنى ، أو سرق ، وهو مسلم ، ثم ارتد ، ثم أسلم ، فقال هناك حين ارتكب السبب ما كان حربيا للمسلمين ، فيكون مستوجبا للحد ، ولم يزل تمكن الإمام من إقامته عليه بنفس الردة إلا أنه كان لا يشتغل به قبل توبته لاستحقاق نفسه بالردة [ ص: 34 ] وقد انعدم بالإسلام ، فلهذا يقام عليه ، وتزويج السكران ، ولده الصغير ، وهبته ، وما أشبه ذلك من تصرفاته قولا ، أو فعلا صحيح ; لأنه مخاطب كالصاحي ، وبالسكر لا ينعدم عقله إنما يغلب عليه السرور ، فيمنعه من استعمال عقله ، وذلك لا يؤثر في تصرفه سواء كان شرب مكرها ، أو طائعا ، فأما إذا شرب البنج ، أو شيئا حلوا ، فذهب عقله لم يقع طلاقه في تلك الحالة ; لأنه بمنزلة المعتوه في التصرفات .

التالي السابق


الخدمات العلمية