صفحة جزء
ولو أكره بوعيد قتل ، أو حبس حتى تزوج امرأة على عشرة آلاف درهم ، ومهر مثلها ألف درهم جاز النكاح ; لما بينا أن الجد ، والهزل في النكاح ، والطلاق ، والعتاق سواء ، فكذلك الإكراه ، والطواعية ، وللمرأة مقدار مهر مثلها ; لأن التزام المال يعتمد تمام الرضا ، ويختلف بالجد ، والهزل ، فيختلف أيضا بالإكراه ، والطوع ، فلا يصح من الزوج التزام المال مكرها إلا أن مقدار مهر المثل يجب لصحة النكاح لا محالة .

( ألا ترى ) أن بدون التسمية يجب ، فعند قبول التسمية فيه مكرها ، أولى أن يجب ، وما زاد على ذلك يبطل لانعدام الرضا من الزوج بالتزامه ، ولو أن المرأة هي التي أكرهت ببعض ما ذكرنا على أن تزوج نفسها منه بألف ، ومهر مثلها عشرة آلاف فزوجها أولياؤها مكرهين ، فالنكاح جائز ، ولا ضمان على المكره فيه ; لأن البضع ليس بمال متقوم ، وتقومه على المتملك باعتبار ثبوت الملك فيما هو مصون عن الابتذال ، وهذا المعنى لا يوجد في حق المكره ، ثم يقول القاضي للزوج : إن شئت ، فأتمم لها مهر مثلها ، وهي امرأتك إن كان كفؤا لها ، فإن أبى فرق بينهما ، ولا شيء لها ، والحاصل أن الزوج إن كان كفؤا لها ثبت لها الخيار ; لما يلحقها من الضرر بنقصان حقها عن صداق مثلها ، والزوج متمكن من إزالة هذا الضرر بأن يلتزم لها كمال مهر مثلها ، فإن التزم ذلك فالنكاح بينهما لازم ، وإن أبى ، فرق بينهما ، ولا شيء لها إن لم يكن دخل بها ، وإن كان دخل بها مكرهة ، فلها تمام مهر مثلها لانعدام الرضا منها بالنقصان ، ولا خيار لها بعد ذلك ; لأن الضرر اندفع حين استحقت كمال مهر مثلها ، وإن دخل بها ، وهي طائعة ، أو رضيت بما سمى لها ، فعند أبي حنيفة للأولياء حق الاعتراض ، وعندهما ليس لهم ذلك ، وأصله فيما إذا زوجت المرأة نفسها من كفؤ بدون صداق مثلها ، وقد بيناه في كتاب النكاح . ، وإن لم يكن الزوج كفؤا لها ، فلها [ ص: 65 ] أن لا ترضى بالمقام معه سواء التزم الزوج لها كمال مهر المثل ، أو لم يلتزم دخل بها ، أو لم يدخل بها ; لما يلحقها من الضرر من استفراش من لا يكافئها ، فإن دخل بها ، وهي طائعة ، أو رضيت ، فللأولياء أن يفرقوا بينهما ; لأن للأولياء حق طلب الكفاءة .

( ألا ترى ) أنها لو زوجت نفسها طائعة من غير كفؤ كان للأولياء حق الاعتراض ، فهنا أيضا لم يوجد من الأولياء الرضا بسقوط حقهم في الكفاءة ، والزوج لا يتمكن من إزالة عدم الكفاءة ، فيكون للأولياء أن يفرقوا بينهما سواء رضي بأن يتم لها مهر مثلها ، أو لم يرض بذلك .

التالي السابق


الخدمات العلمية