صفحة جزء
ولو كانا مكرهين جميعا على العقد ، والتقابض ، ففعلا ذلك ، فقال أحدهما بعد ذلك : قد أجزت البيع كان البيع جائزا من قبله ، وبقي الآخر على حاله ; لأن الذي أجاز صار راضيا به ، فكأنه كان في الابتداء راضيا ، وذلك يوجب نفوذ البيع من قبله لا من قبل صاحبه المكره ، وهو نظير ما لو شرط في البيع الخيار ، ثم أسقط أحدهما خياره نفذ العقد من جهته ، وكان الآخر على خياره ، فإن أجازا جميعا بغير إكراه جاز البيع لوجود تمام الرضى بينهما بالبيع ، ولو لم يجيزا حتى أعتق المشتري العبد جاز عتقه ; لأنه ملكه بالقبض مع فساد العقد ، فكان ضامنا لقيمته ، فإن أجاز الآخر بعد ذلك لم يلتفت إلى إجازته لتقرر ضمان القيمة على المشتري ، وفوات محل حكم العقد ابتداء ، وإن لم يتقابضا ، فأجاز أحدهما البيع بغير إكراه ، فالبيع فاسد على حاله ; لأن بقاء الإكراه في جانب صاحبه كاف لفساد البيع .

فإن أعتقاه جميعا معا ، وقد أجاز أحدهما البيع ، فإن كان العبد غير مقبوض ، فعتق البائع فيه جائز ، وعتق المشتري باطل ; لأنه قبل القبض باق على ملك البائع لفساد البيع فإعتاقه صادف ملكه ، وإن أعتقه أحدهما ، ثم أعتقه الآخر ، فإن كان البائع هو الذي أجاز البيع ، وقد أعتقه المشتري قبله ، فهذا إجازة منهما للبيع ; لأن إقدام المشتري على الإعتاق رضا منه بحكم البيع ، وذلك يوجب نفوذ العتق من قبله ، وإنما يوقف نفوذه لعدم الرضى من البائع ، فإذا أجاز البيع تم بتراضيهما ، والثمن المسمى للبائع على المشتري ، والعتق لا ينفذ من المشتري ; لأنه سبق ملكه ، وإن كان البائع أعتق أولا ، فهو بإعتاقه قد نقض البيع ، ونفذ العتق من قبله ، فلا يعمل فيه إجازة واحد منهما ، ولا إعتاق المشتري بعد ذلك .

وإن كان الذي أجازه أول مرة من المشتري ، ولم يجزه البائع ، فعتق البائع جائز فيه ، وقد انتقض البيع به إن أعتقه قبل المشتري ، أو بعده ; لأنه باق على ملك البائع بعد إجازة المشتري ، فإعتاق البائع يصادف ملكه فينفذ ، وينتقض به البيع ، وإنما مثل هذا مثل رجل اشترى عبدا بألف درهم على أن المشتري بالخيار أبدا ، فلم يقبضه حتى أعتقاه ، فعتق البائع جائز [ ص: 99 ] لأن شرط الخيار بهذه الصفة يفسد البيع ، وفي البيع الفاسد المبيع على ملك البائع قبل تسليمه إلى المشتري ، فينفذ عتقه فيه ، وكذلك لو سبق البائع بالعتق ، فإن أعتقه المشتري أولا ، فالقياس فيه أن عتقه باطل ; لأن البيع فاسد ، فلا يملكه المشتري قبل القبض ، والإعتاق إذا لم يصادف الملك كان باطلا ، ولكنا نستحسن فنجعل عتقه إياه رضا بالبيع ; لأن الخيار الفاسد لا يكون أقوى من الخيار الصحيح ، ولو كان المشتري شرط لنفسه خيار ثلاثة أيام ، ثم أعتقه كان إعتاقه إسقاطا منه الخيار ، وبإسقاط الخيار يزول المعنى المفسد ، وهذا ; لأن الفساد لانعدام الرضا منه بحكم البيع ، وإقدامه على العتق يتضمن الرضا منه بالحكم ، وهو الملك ، فيقدم الرضى ، وثبوت الملك له على العتق لتنفيذ العتق كما قصده ، فإن من قصد تنفيذ تصرف في محل لا يمكنه ذلك إلا باعتبار تقديم شرط في المحل بعدم ذلك ليصح كمن يقول لغيره : أعتق عبدك عني على ألف درهم ، فيقول قد أعتقت ، أو يقول صاحب العبد : أعتقت عبدي عنك على ألف درهم ، وقال الآخر : قد رضيت عتق العبد عن المعتق عنه ووقع العتق ، والملك معا برضاه بذلك ، أو تقدم الملك في المحل على العتق ، فكذلك فيما سبق .

ولو كان المشتري قبض العبد في الإكراه ، وفي الخيار الفاسد ، ثم أجاز أحدهما البيع في الإكراه لم يجز عتق البائع فيه على حال ; لأن ملك البائع زال بتسليمه إلى المشتري ، ويكون البيع مطلقا من جهته ، وجاز عتق المشتري فيه لمصادفته ملكه ، فإن كان الذي أجاز البيع في الإكراه - البائع جاز العتق ، والبيع بالثمن ; لأن المشتري بالإعتاق صار مجيزا ، وإن كان الذي أجاز البيع - المشتري جاز عتقه ، وغرم القيمة للبائع ; لأن البيع فاسد لانعدام الرضى من البائع به ، فإن كان قبض منه الثمن حاسبه به ، وأعطاه ، فضلا إن كان له .

التالي السابق


الخدمات العلمية