صفحة جزء
[ ص: 100 ] قال رحمه الله ) وإذا أكره الرجل بوعيد تلف على أن يشتري من رجل عبدا بعشرة آلاف درهم ، وقيمته ألف ، وعلى دفع الثمن ، وقبض العبد ، وقد كان المشتري حلف أن كل عبد يملكه فيما يستقبل ، فهو حر ، أو حلف على ذلك العبد بعينه ، فقد عتق العبد ; لأنه ملكه بالقبض بعد الشراء لما بينا أن شراء المكره فاسد ، وبالملك يتم شرط العتق فاسدا كان السبب ، أو صحيحا ، والمتعلق بالشرط عند وجود الشرط كالمنجز ، فكأنه أعتقه بعد ما قبضه ، فيعتق ، وعلى المشتري قيمته للبائع ، ولا يرجع على المكره بشيء ; لأنه ألزمه بالإكراه على الشراء ، والقبض مقدار القيمة ، وقد أدخل في ملكه بمقابلة ما يعد له ، ثم دخل في ملكه تلف بالعتق ، ولم يوجد من المكره إكراه على هذا الإتلاف ; لأن الملك شرط العتق فأما السبب ، وهو الثمن السابق ، فلأن كلمة الإعتاق ، وهي قوله أنت حر وجدت في اليمين دون الشرط ، وإنما يحال بالإتلاف على السبب دون الشرط ، وهو ما كان مكرها عليه من جهة أحد .

( ألا ترى ) أنه لو قال لعبده : إن دخلت الدار ، فأنت حر ، فشهد شاهدان أنه قد دخلها ، وقضى القاضي بالعتق ، ثم رجعا لم يضمنا شيئا ، وفي قياس قول زفر رحمه الله يجب الضمان على المكره ; لأنه يقول الحكم مضافا إلى الشرط وجودا عندي ، ولهذا أوجب الضمان على شهود الشرط ، فكذا في الإكراه يوجب الضمان على المكره على الشرط لحصول تلف المالية عنده ، ولكنا نقول المكره إنما يضمن إذا صار الإتلاف منسوبا إليه ، ولا يكون ذلك إلا بالإكراه على ما يحصل به التلف بعينه .

وكذا لو أكرهه على شراء ذي رحم محرم منه ، وعلى قبضه بأكثر من قيمته ، فاشتراه ، وقبضه عتق عليه ; لأنه ملكه ، ومن ملك ذا رحم محرم منه ، فهو حر ، وعليه قيمته ; لأن الشراء فاسد ، وقد تعذر رد المشتري لنفوذ العتق فيه ، فيلزمه قيمته ، ويبطل عنه ما زاد على قدر القيمة من الثمن ; لأنه التزمه مكرها ، والتزام المال مع الإكراه لا يصح ، ولا يرجع على المكره بشيء ; لأنه عتق بقرابته ، ولم يوجد من المكره إكراه على تحصيل السبب الذي به حصل العتق ، فإن قيل : لا كذلك ، فالمالك هنا متمم عليه العتق ; لأن القريب إنما يعتق على القريب بالقرابة ، والملك جميعا ، والحكم متى تعلق بعلة ذات ، وصفين يحال به على آخر الوصفين وجودا ، ولهذا لو اشترى قريبه ناويا عن كفارته جاز ; لأن بالشراء يصير معتقا متمما لعلة العتق ، فهنا المكره يكون متمما عليه العتق ، فيضمن قيمته كما لو كان أكرهه على الإعتاق بعينه قلنا نعم الملك متمم عليه العتق ، ولكن بين المشتري ، والعبد ; لأن القرابة [ ص: 101 ] وجدت في حقهما ، فأما في حق المكره ، فالشراء ليس بمتمم عليه العتق ; لأن أحد الوصفين ، وهو القرابة غير موجود في جانب المكره إذ لا صنع له في ذلك أصلا ، والإضافة إليه باعتبار صنعه ، فإذا انعدم ذلك الوصف في حقه لم يكن الشراء إتلافا في حقه ، وما لم يصر الإتلاف منسوبا إليه لا يجب الضمان عليه ، فأما في الكفارة ، فالشراء متمم للعلة في حق المشتري ، والقريب ، فيصير به معتقا ، والثاني أن عتق القريب بطريق المجازاة مستحق عليه عند دخوله في ملكه إلا أنه إذا نوى به الكفارة ، وقع عما نوى ، ولم يكن مجازاة للقرابة ، فتتأدى به الكفارة ، فأما هنا ، فالمكره ما نوى شيئا آخر سوى المجازاة ; لأنه إذا نوى شيئا آخر يصير طائعا ، والمكره إنما أكرهه على المجازاة ، فيكون هذا إكراها على إقامة ما هو مستحق عليه ، وذلك لا يوجب الضمان على المكره كما لو أكرهه على أن يؤدي زكاة ماله ، أو يكفر يمينه .

وكذلك لو أكرهه على شراء أمة قد ، ولدت منه ، أو أمة مدبرة إن ملكها ; لأن التدبير ، والاستيلاد إنما يحصل عند وجود الشرط بالسبب المتقدم ، وهو لم يكن مكرها على ذلك السبب ، وثبوت حق العتق بها عند وجود الشرط لا يكون أقوى من ثبوت حقيقة الحرية ، وقد بينا أن الإكراه على إيجاد الشرط في حقيقة الحرية لا يوجب الضمان على المكره ، فكذلك في حق الحرية ، واستوضح بفصل الشهادة إذا شهد شاهدان على رجل أنه اشترى هذا العبد بألف درهم هي قيمته ، والبائع يدعي البيع ، وقد كان المشتري قال إن ملكته ، فهو حر ، فقضى القاضي بذلك ، وأعتقه ، ثم رجعا ، فلا ضمان عليهما ; لأنه إنما أعتقه بقوله ، فهو حر لا بشرائه ، والشهود ما أثبتوا تلك الكلمة بشهادتهم ، وكذلك لو قال : عبده حر إن دخل هذه الدار ، فأكرهه بوعيد تلف حتى دخل ، فإنه يعتق ; لأنه هو الداخل بنفسه ، وإن كان مكرها بخلاف ما إذا حمل ، فأدخل ; لأنه الآن مدخل لا داخل ، فلا يصير الشرط به موجودا إلا أن يكون قال : إن صرت في هذه الدار ، فعبدي هذا حر ، فحمله المكره حتى أدخله الدار ، وهو لا يملك من نفسه شيئا ، فإنه يعتق لوجود الشرط ، ولا ضمان على المكره في الوجهين ; لأن العتق إنما حصل بقوله هو حر لا بحصوله في الدار ، فإن الحرية من موجبات قوله هو حر لا من موجبات دخول الدار ، فالإتلاف الحاصل به لا يكون مضافا إلى من أدخله الدار .

ولذلك لو قال إن تزوجت فلانة فهي طالق ، فأكره على تزوجها بمهر مثلها طلقت ، ولزمه نصف الصداق لها بسبب الطلاق قبل الدخول ، ولم يرجع على المكره بشيء ; لأنه ما أكرهه على الطلاق إنما أكرهه على التزوج ، وقد دخل في ملكه بالتزوج ما يعادل ما لزمه من المهر ; لأن [ ص: 102 ] البضع عند دخوله في ملك الزوج متقوم قال .

( ألا ترى ) أنه لو قال لامرأته ، ولم يدخل بها إن شجني اليوم أحد ، فأنت طالق ، أو قال ذلك لعبده ، فشج ، إن العبد يعتق ، والمرأة تطلق ، وعلى الشاج أرش الشجة ، وليس عليه من قيمة العبد ، ولا من نصف الصداق شيء للمعنى الذي قلنا وزفر رحمه الله في الكل مخالف ، ولكن من عادة محمد رحمه الله الاستشهاد بالمختلف على المختلف لإيضاح الكلام .

التالي السابق


الخدمات العلمية