صفحة جزء
ولو أكرهه بالحبس على أن يوكل هذا بعتق عبده ، فأعتقه الوكيل ، والوكيل غير مكره كان العبد حرا عن مولاه ، ولم يضمن المكره شيئا ; لأن الإكراه بالحبس لا يجعل الفعل منسوبا إلى المكره في معنى الإتلاف ، ولا يمنع صحة الإعتاق ، فكذلك لا يمنع صحة التسليط على الإعتاق ، والتوكيل في الابتداء كالإجازة في الانتهاء .

ولو أن أجنبيا أعتق عبد رجل بغير أمره ، فأكره بالحبس على أن يجيزه بعد العتق لم يضمن المكره شيئا ، فهذا مثله ، ولو أكرهه على ذلك بوعيد تلف كان الضمان على المكره دون الذي ولي العتق أما نفوذ العتق ; فلأن الإكراه على التوكيل بالعتق بمنزلة الإكراه على الإعتاق ، وأما وجوب الضمان على المكره ، فلأن الإتلاف منسوب إليه بسبب الإلجاء ، وحصول التلف بالأمر الصادر من المولى عند إعتاق المأمور لا بإعتاق المأمور .

( ألا ترى ) أنه لو لم يسبق الأمر كان إعتاقه لغوا ، وبه فارق القتل ، والقطع ، فالإتلاف هناك يحصل بمباشرة المأمور دون الآمر به .

( ألا ترى ) أنه يتحقق ، وإن لم يسبقه أمر فإذا كان المباشر طائعا كان الضمان عليه .

( ألا ترى ) أن المشتري لو أمر رجلا بأن يقتل المبيع قبل القبض ، فقتله كان القاتل ضامنا قيمته للبائع حتى يحبسه بالثمن ، ولو أمر رجلا ، فأعتقه كان العبد حرا ، ولا ضمان على المعتق ، والفرق بينهما بما أشرنا إليه أن الإعتاق بدون أمر المشتري لغو ، فيكون إعتاق المأمور كإعتاق المشتري ، والقتل بدون أمر المشتري يتحقق ، فيكون موجب الضمان على القاتل ولو أكرهه بوعيد تلف على أن يأذن له في عتقه ، فأذن له فيه ، فأعتقه عتق ، والولاء للمولى ، ويضمن المكره قيمته لا باعتبار أنه أعتقه بل باعتبار أنه ألجأه إلى الأمر بالعتق حتى لو كان أكرهه على ذلك بحبس لم يضمن له شيئا ، فهذا يبين لك ما سبق أن الإكراه على الأمر بالعتق بمنزلة الإكراه على العتق في حكم الضمان ، وكل إكراه بوعيد تلف على الأمر لا يمكن رده بعد وقوعه نحو العتق ، والطلاق ، والقتل ، واستهلاك المال [ ص: 122 ] فإكراهه فيه بمنزلة جنايته بيده ; لأن المكره في حكم الإتلاف صار آلة للمكره ، وإن كان أكرهه على ذلك بقيد ، أو حبس لم يلزمه ضمانه ، وإنما الإكراه بالحبس بمنزلة الإكراه بالقتل في البيع ، والشراء والإقرار بالأشياء كلها ، والوكالة بذلك ، والأمر به ; لأن صحة هذا كله تعتمد الرضا ، ومع الإكراه بالحبس ينعدم الرضا ، ثم ، أوضح الفرق بين الفعل ، وبين الأمر به عند الإكراه بالحبس بفعل العبد المحجور عليه ، فإنه لو غصب مالا ، فدفعه إلى عبد آخر محجور عليه ، فهلك عنده كان لصاحب المال أن يضمن الثاني ، ثم يرجع مولاه بما ضمن في رقبة الأول ، ولو لم يدفعه ، ولكنه أمره أن يأخذه ، والمسألة بحالها لم يكن لمولى الآخر أن يضمن الأول .

( ألا ترى ) أن الحجر عليه أسقط اعتبار أمره ، ولم يسقط اعتبار دفعه ، فكذلك الإكراه بالحبس يسقط اعتبار أمره ، ولا يسقط اعتبار دفعه ، والله أعلم بالصواب .

التالي السابق


الخدمات العلمية