صفحة جزء
( قال رحمه الله ) : وليس للمأذون أن يكاتب عبده ; لأنه منفك الحجر عنه في التجارة ، والكتابة ليست بتجارة ، ولكنها عقد إرقاق يقصد بها الإعتاق ، والمأذون فيما ليس بتجارة كالمحجور كالتزويج ثم الفك بالكتابة فوق الفك الثابت بالإذن ، ولا يستفاد بالشيء ما هو فوقه في محل فيه حق الغير فإنه كاتبه ، وأجاز مولاه الكتابة جاز إذا لم يكن عليه دين ; لأن هذا عقد له منجز حال وقوعه فيتوقف على الإجازة ، فتكون الإجازة في الانتهاء كالإذن في الابتداء .

وبيانه أن كسب المأذون خالص ملك المولى يملك فيه مباشرة الكتابة فيملك فيه الإجازة ثم لا سبيل للعبد على قبض البدل بل كل ذلك إلى المولى ; لأن العبد نائب عنه كالوكيل ، والكتابة من العقود التي يكون العاقد فيها معتبرا ، فيكون قبض البدل إلى من نفذ العقد من جهته ، وإن دفعها المكاتب إلى العبد لم يبرأ إلا أن يوكله المولى بقبضها ; لأن العبد في حكم قبض [ ص: 27 ] بدل الكتابة كأجنبي آخر ، وكذلك إن لحقه دين بعد إجازة المولى الكتابة ; لأن بإجازته صار المملوك مكاتبا له ، وخرج من أن يكون كسبا لعبده فالدين الذي يلحق العبد فيه ذلك لا يتعلق برقبته ولا بكسبه كما لو أخذه المولى من يده ، وكاتبه أو لم يكاتبه ، ولو كان عليه دين كثير أو قليل فمكاتبته باطلة ، وإن أجازه المولى ; لأن المولى بالإجازة يخرج المكاتب من أن يكون كسبا للعبد ، وقيام الدين عليه يمنع المولى من ذلك قل الدين أو كثر كما لو أخذه من يده ، وعليه دين فإن لم يرد الكتابة حتى أداها فإن كان المولى لم يجزها لم يعتق ، ورد رقيقا للمأذون فبيع في دينه ، وصرف ما أخذه منه من المكاتبة في دينه . لأن الكتابة بدون إجازة المولى لغو ، وهو موقوف على إجازته فأداء بدل الكتابة في حال توقف العتق لا يوجب العتق له ، والعبد حين قبض البدل منه يصير كالمعتق له ، وإعتاقه لغو ، والمقبوض من إكسابه يصرف إلى دين المأذون مع رقبته بطريق البيع فيه .

وإن كان المولى أجاز المكاتبة وأمر العبد بقبضها ، وعلى العبد دين يحيط برقبته وبما في يده فأدى المكاتب المكاتبة فهذا ، والأول سواء في قياس قول أبي حنيفة رحمه الله ; لأن المولى لا يملك كسبه حتى لا ينفذ منه مباشرة الكتابة والإعتاق فيه فلا يعمل إجازته أيضا ، ولا يعتق بقبض البدل منه كما لو أعتقه قصدا ، وفي قولهما هو حر ; لأن المولى يملك كسبه ، وإن كان دينه محيطا حتى لو أعتقه ينفذ عتقه ، فكذلك إذا أجاز مكاتبته ، وقبض البدل هو أو العبد بأمره يجعل كالمعتق له ، فيكون حرا والمولى ضامن لقيمته للغرماء .

لأن ماليته كانت حقا لهم وقد أتلفها المولى عليهم ، وكذلك المكاتبة التي قبضها المولى تؤخذ منه فتصرف إلى الغرماء ; لأنه أدى المكاتبة من كسبه ، والغرماء أحق بكسبه من المولى فلا يسلم ذلك للمولى ما بقي من دينهم ، ولو كان دين المأذون لا يحيط به ، وبما له عتق عندهم جميعا ; لأن إجازة المولى الكتابة كمباشرته ، ولو كاتبه وقبض البدل عتق فإن الدين إذا لم يكن محيطا لا يمنع ملكه ، ولا إعتاقه ثم يضمن قيمته للغرماء ، ويأخذ الغرماء المكاتبة التي قبضها المولى أو المأذون من دينهم ; لأن حقهم في كسبه ، ومالية رقبته مقدمة على حق المولى وقد أتلف المولى مالية رقبته بالإعتاق

التالي السابق


الخدمات العلمية