صفحة جزء
( قال رحمه الله ) : قد بينا في السير أن العبد إذا أسره العدو فأحرزوه بدارهم ثم عاد إلى قديم ملك المولى فإنه يعود ما كان فيه من الدين والجناية ، وإن لم يعد إلى قديم ملك المولى ، فإن لم يأخذه من يد من وقع في سهمه أو من يد المشتري أو أسلم أهل الحرب عليه فإن الدين [ ص: 47 ] يعود عليه كما كان ، والجناية لا تعود ; لأن المستحق بالجناية الملك القائم وقت الجناية .

( ألا ترى ) أن المولى لو أعتقه بعد الجناية لا يبقى حق ولي الجناية فكذلك إذا زال ذلك الملك ، ولم يعد إليه بخلاف الدين فإنه ثابت في ذمته .

( ألا ترى ) أنه يبقى عليه بعد العتق فسواء عاد ذلك الملك أو لم يعد بقي الدين في ذمته كما كان ، والدين في ذمة العبد لا يجب إلا شاغلا مالية رقبته فلهذا بيع في الدين في ملك من كان ، وإن ارتد المأذون ، وعليه دين أو جناية خطأ ، ولحق بدار الحرب ثم أسره المسلمون فمولاه أحق به قبل القسمة وبعدها بغير شيء في قول أبي حنيفة ; لأنه لم يحرزه المشركون إنما هو أبق إليه ، فإذا بقي على ملك مولاه بقي الدين والجناية عليه بحالهما يدفع بالجناية ثم يباع في الدين قال : وإذا أدان المسلم دينا ثم ارتد ، ولحق بدار الحرب ثم أسر فإن أبى أن يسلم فقتل بطل الدين إلا أن يؤخذ ماله في دار الإسلام فيقضى به دينه ; لأن ماله الذي خلفه في دار الإسلام مصروف إلى حاجته ، وهو خلف عن ذمته في وجوب - قضاء الدين كما بعد موته ، وإن لم يكن له مال في دار الإسلام فقد فات محل الدين حين قتل فبطل دينه ، وليس هذا بأول مديون يملك مفلسا .

ولو كانت مرتدة فسبيت وأسلمت فهي أمة للذي استولدها ، وقد بطل الدين عنها ; لأن نفسها تبدلت بالأسر فصارت كالهالكة لا إلى خلف ، فإن الحرية حياة ، والرق تلف ; وهذا لأن حكم الدين تغير بحدوث الرق فيها ; لأنه حين وجب الدين كان في ذمتها ، ولا تعلق له بمحل آخر ، وبعد ما صارت أمة فالدين عليها يكون شاغلا مالية رقبتها أن لو بقي وهذه مالية حادثة لا يمكن شغلها بالدين ، والدين لا يجب على المملوك إلا شاغلا مالية رقبته فيسقط بهذه المنافاة .

وكذلك كل حد وقصاص كان عليها فيما دون النفس قبل الردة ; لتغيير حكمه برقها فالرق ينصف الحدود وينافي وجوب القصاص فيما دون النفس ، فأما القصاص في النفس فهو على حاله عليها ; لأن ذلك لا يتغير بالرق ، والأمة والحرة فيه سواء ، وكذلك الرجل الذمي أو المرأة الذمية ينقض العهد ويلتحق بدار الحرب ، وعليه دين يوم يؤسر فهو رقيق ، وقد بطل الدين ، وكل حد أو قصاص دون النفس كان عليه يتغير حكمه برقه ، ويؤخذ بالقصاص في النفس ; لأن الحر والرقيق فيه سواء .

وإذا استدان الحر المستأمن في دار الإسلام ثم رجع إلى بلاده ثم عاد إلينا مسلما أو ذميا أو مستأمنا أخذ بذلك الدين ; لبقاء دينه على رجوعه إلى بلاده ، وبعد عوده إلينا ، ولم يصر محجورا متمكنا ; لما في ذمته ; لأن الإحراز في الدين لا يتحقق ، ولو لم يرجع إلينا حتى أسر فصار عبدا بطل الدين لتبدل نفسه بالرق ، ولو دخل المسلم دار الحرب بأمان فأدان حربيا ثم [ ص: 48 ] أسر المسلمون الحربي فصار عبدا بطل الدين عنه ; لأن نفسه تبدلت بما حدث فيه من الرق وخرج من أن يكون أهلا للمالكية .

والأسر لم يخلفه في ملك الدين فسقط عمن عليه ; لانعدام المطالبة والمستوفي له ، فإن الدين ليس إلا مجرد المطالبة هذا إذا كان الدين له على المسلم ، وإن كان للمسلم عليه فقد سقط بفوات محله بتبدل نفسه بالرق فإن جاء مستأمنا لم يؤخذ به إن كان الدين عليه ، ولم يؤخذ به المسلم إن كان الدين على المسلم ; لأن هذه المعاملة جرت بينهما في دار الحرب ، وهو بالخروج إلينا بأمان لم يصر من أهل دار الإسلام فلا تسمع الخصومة في ذلك الدين بينهما إلا أن يسلم أو يصير ذميا فحينئذ يؤخذ بذلك كل واحد منهما ; لأنه التزم أحكام الإسلام وصار منا دارا ودينا ، والدين ببقاء ذمته على حاله ، وبقاء الطلب أهلا للمالكية فيؤخذ كل واحد منهما به وقد بينا ما في هذه الفصول من الخلاف في كتاب الصلح ، والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية