صفحة جزء
قال : وفي اليد إذا قطعت من نصف الساعد دية اليد وحكم عدل فيما بين الكف إلى الساعد ، وإن كان من المرفق كان في الذراع بعد دية اليد حكم عدل أكثر من ذلك ، وهذا قول أبي حنيفة ومحمد وعند أبي يوسف لا يجب فيه إلا أرش اليد إذا قطعها من نصف الساعد ، وكذلك روى ابن سماعة عن أبي يوسف فيما إذا قطعها من المنكب أنه لا يجب إلا أرش اليد ، واحتج في ذلك بقوله عليه السلام { : وفي اليدين الدية وفي أحدهما نصف الدية } ، واليد : اسم للجارحة من رءوس الأصابع إلى الآباط وقد روينا في حديث عمران بن حارثة { أن النبي عليه السلام قضى [ ص: 82 ] على قاطع اليد بنصف الدية خمسة آلاف من غير تفصيل } .

وقد روي في بعض الروايات أنه قطعها من نصف الساعد ; ولأن الساعد ليس له أرش مقدر فيكون تبعا لما له أرش مقدر كالكف فإن بالإجماع يجب نصف الدية بقطع الأصابع ثم لو قطع الكف مع الأصابع لا يلزمه إلا نصف الدية ، وتجعل الكف تبعا للأصابع لهذا المعنى فكذلك إذا قطع من نصف الساعد أو المرفق أو المنكب ; لأنه ليس من هذه الأعضاء بدل مقدر سوى الأصابع .

( ألا ترى ) أنه لو قطع المارن أو الحشفة يلزمه الدية ولو قطع جميع الأنف أو جميع الذكر لا يجب عليه أكثر من دية واحدة وأبو حنيفة ومحمد قالا : ما زاد على الكف من الساعد إما أن يجعل تبعا للأصابع أو الكف ، ولم يمكن جعله تبعا للأصل ; لأن الكف حائل بينه وبين الأصابع ، والتابع ما يكون متصلا بالأصل ، ولا يمكن جعله تبعا للكف ; لأن الكف في نفسه تبع للأصابع ، ولا تبع للتبع فإذا تعذر جعله تبعا ، ولا يجوز إهداره عرفنا أنه أصل بنفسه وليس فيه أرش مقدر فيجب حكم عدل كما لو قطع يده من المفصل أولا فبرأت ثم عاد فقطع الساعد ، ولا حجة في الحديثين ; لأن اليد إذا ذكرت في موضع القطع فالمراد به من مفصل الزند بدليل آية السرقة .

والذي روي أن القطع كان من نصف الساعد شاذ لا يعتمد على مثله في الأحكام فإذا كسر الأنف ففيه حكم عدل ; لما أن كسر الأنف جناية ليس فيها أرش مقدر فيجب فيها حكم عدل ككسر الساعد ، والساق فإن قطع اليد ، وفيها ثلاثة أصابع فعليه ثلاثة أخماس دية اليد ، ويدخل أرش الكف في أرش الأصابع هاهنا بالاتفاق ; لأن أكثر الأصابع لما كانت قائمة جعل كقيام جميعها فيكون الكف تابعا لها ، وإقامة الأكثر مقام الكل أصل في الشرع فأما إذا كان على الكف أصبعان أو أصبع فقطع الكف فعند أبي حنيفة رحمه الله يلزمه أرش ما كان قائما من الأصابع ويدخل أرش الكف في ذلك ، وعند أبي يوسف ومحمد ينظر إلى أرش ما بقي من الأصابع ، وإلى أرش الكف ، وهو حكومة عدل فأيهما كان أكثر يدخل الأقل فيه ; لأن أكثر الأصابع هاهنا فائتة فيجعل ذلك كفوات الكل ، ولو قطع الكف وليس عليها شيء من الأصابع كان عليه حكم عدل ; فهذا مثله وهذا لأن ببقاء أكثر الأصابع تبقى منفعة البطش ، وإن كان يتمكن فيها نقصان فيعتبر تفويت ذلك في إيجاب الأرش ، وأما ببقاء أصبع واحد فلا يبقى منفعة البطش ، ولا يمكن اعتبار ذلك في إيجاب الأرش فيجب حكم عدل إلا أنه لا بد من اعتبار أرش الأصبع المقطوعة بالنص ومن اعتبار حكومة العدل في الكف لما قلنا ، ولا [ ص: 83 ] وجه إلى الجمع بينهما بالإتلاف فاعتبرنا الأكثر منهما فجعلنا الأقل تابعا للأكثر ، وهو أصل في الشرع في باب الأرش وأبو حنيفة يقول : أرش الأصبع مقدر شرعا ، وليس للكف أرش مقدر شرعا ، وما ليس بمقدر شرعا يجعل تبعا لما هو مقدر شرعا ، ولهذا جعل الكف تبعا لجميع الأصابع ، وهذا لمعنيين : أحدهما : أن المقدر شرعا ثابت بالنص ، وما ليس فيه تقدير فهو ثابت بالرأي ، والرأي لا يعارض النص ، والمصير إلى الترجيح بالكثرة عند المساواة في القوة .

والثاني : أن المصير إلى الرأي ، والتقويم لأجل الضرورة ، وهذه الضرورة لا تتحقق عند إمكان إيجاب الأرش المقدر بالنص وسوى هذا عن أبي يوسف روايتان أحدهما أنه كان يقول أولا : عليه أرش الأصبع ، وحكومة العدل في الكف يجمع بينهما ; لأن جعل الكف تبعا للأصابع باعتبار أن معنى البطش يكون بهما ، وذلك لا يوجد في الأصبع الواحد ، ولا يمكن جعل الأصبع تبعا للكف ; لأن للأصبع أرشا مقدرا شرعا فلا يجوز النقصان عن ذلك بالرأي ، فإذا لم يمكن اتباع أحدهما الآخر كان كل واحد منهما أصلا فيجب أرشهما ، وعنه في رواية أخرى أنه يلزمه أرش الأصبع القائمة ، وموضعها من الكف يكون تبعا له ويلزمه حكومة عدل فيما وراء ذلك من الكف ; لأن الأصابع لو كانت قائمة كان موضع كل أصبع من الكف تبعا لذلك الأصبع فعند قيام البعض يعتبر البعض بالكل ثم في ظاهر الرواية عند أبي حنيفة ، وإن لم يبق إلا مفصل من أصبع فإنه يجب أرش ذلك المفصل ويجعل الكف تبعا له ; لأن أرش ذلك المفصل مقدر شرعا ، وما بقي شيء من الأصل فإن قل فلا حكم للتبع كما إذا بقي واحد من أصحاب الخطة من المحلة لا يعتبر السكان .

وروى الحسن عن أبي حنيفة قال : إذا كان الباقي دون أصبع فإنه يعتبر فيه الأقل ، والأكثر فيدخل الأقل في الأكثر ; لأن أرش الأصبع منصوص عليه فأما أرش كل مفصل فغير منصوص عليه ، وإنما اعتبرنا ذلك بالمنصوص عليه بنوع رأي ، وكونه أصلا باعتبار النص فإذا لم يرد النص في أرش مفصل واحد اعتبرنا فيه الأقل ، والأكثر لما بينا ولكن الأول أصح .

التالي السابق


الخدمات العلمية