صفحة جزء
وشهادة امرأتين مع رجل جائزة في قتل الخطأ وفي كل ما ليس فيه قصاص ولا تجوز فيما فيه قصاص ، وكذلك الشهادة على الشهادة وكتاب القاضي إلى القاضي ; لأن القصاص عقوبة تندرئ بالشبهات وفي شهادة النساء ضرب شبهة ; لأن الضلالة ، والنسيان يغلب عليهن ، وكذلك في الشهادة على الشهادة وكتاب القاضي إلى القاضي ; لأنهما بدل وفي البدل القائم مقام الأصل ضرب شبهة فلا يثبت به ما يندرئ بالشبهات ويثبت به ما لا يندرئ بالشبهات ، وهو المال ، ثم بهذه الشهادة إذا تعذر القضاء بالقصاص لا يقضي بالمال بخلاف مسألة الإقرار فإن القاتل إذا أقر بالخطأ بعد ما ادعى الولي العمد يقضي بالمال ; لأن هاهنا تعذر القضاء بالقود لمعنى من جهة الولي ، وهو اشتغاله بإقامة حجة فيها شبهة ، والولي لا ينفرد بأخذ المال بدون رضا القاتل وهناك تعذر القضاء بالقود لمعنى من جهة القاتل ، وهو إقراره بالخطأ ، فينزل ذلك منزلة الرضا منه بأخذ المال وللولي أن يأخذ المال مكان القصاص برضا القاتل .

يوضحه : أن الإقرار موجب للحق بنفسه من غير قضاء القاضي فيتمكن الولي من أخذ ما أقر به القاتل ، وهو [ ص: 106 ] المال فأما الشهادة فلا توجب شيئا بدون قضاء القاضي ، والقاضي إنما يقضي بما شهد به الشهود ، وقد تعذر عليه القضاء بذلك هاهنا لمكان الشبهة فلا يقضي بشيء ، وإن شهد عليه رجلان بالعمد حبس حتى يسأل عنهما ; لأنه صار متهما بالدم ، والسبيل في المتهم أن يحبس لما روي { أن النبي صلى الله عليه وسلم حبس رجلا في التهمة } وروي أن عمر رضي الله عنه رأى رجلا يعدو عليه ويقول أجرني يا أمير المؤمنين فقال من ماذا فقال من الدم فقال احبسوه الحديث . وقد بينا في أول كتاب الحدود أن أخذ الكفيل في العقوبات غير ممكن لما في ذلك من معنى التوثق ، والاحتياط ، وأنه يصار فيه إلى الحبس ، فإن شهد عليه رجل واحد عدل حبسه أيضا أياما ; لأنه صار متهما بالدم فإن خبر الواحد ، وإن كان لا يتم بالحجة فتثبت به التهمة خصوصا إذا كان المخبر عدلا ; ولأن للشهادة شرطين : العدد ، والعدالة ، وقد وجد أحد الشرطين هاهنا ، وهو العدالة ، فهو بمنزلة ما لو تم عدد الشهود ولم تظهر عدالتهم فكما يحبس هناك فكذلك يحبس هاهنا ، فإن جاء شاهد آخر وإلا خلى سبيله ، والعمد في ذلك ، والخطأ وشبه العمد سواء . وكان ينبغي في القياس أن لا يحبس في الخطأ وشبه العمد ; لأن الواجب فيهما المال وفي الديون التي هي غير المؤجلة لا يحبس ما لم تتم الحجة لظهور عدالة الشهود ففيما يكون مؤجلا إلى العاقلة أولى ، ولكنه ترك القياس لما ذكرنا أن المتهم بالدم يحبس فإن القتل أمر عظيم إلى أن يتبين موجبه ; لظهور عذر القاتل ، أو انتفاء عذره ، فإذا ادعى ولي القتيل بينة حاضرة في المصر ، والقتل خطأ أخذ به من المدعى عليه كفيلا إلى ثلاثة أيام بخلاف ما إذا زعم أن بينته غيب ; لأن الدعوى دعوى الدين ، فالخطأ موجب الدية دينا . وأخذ الكفيل بالنفس في دعوى الديون صحيح إذا ادعى بينة حاضرة في المصر فأما في العمد فلا يصار إلى أخذ الكفيل قبل إقامة البينة ولا بعدها ، ولكن قبل إقامة البينة يلازمه المدعي وبعد إقامة البينة يحبسه على سبيل التعزير ، فإن ظهرت عدالة الشهود كان القتل موجبا للقود وقضى عليه بالقود . والله أعلم بالصواب .

التالي السابق


الخدمات العلمية