صفحة جزء
وإذا جرح الرجل الرجل عمدا بالسيف فأشهد المجروح على نفسه أن فلانا لم يجرحه ، ثم مات المجروح من ذلك فلا شيء على فلان ولا تقبل البينة عليه بالجناية ; لأن قبول البينة يبنى على دعوى صحيحة ، والوارث في الدعوى قائم مقام المورث فكما لا تصح الدعوى من المورث بعد إقراره أنه لم يجرح فكذلك لا تصح من الوارث ; لأنه نفى أصل الجرح ومن ضرورته نفي القتل ولو لم يقر المجروح بذلك ، ولكنه عفى عن الجارح قبل موته ، ثم مات ففي القياس عفوه باطل ; لأن القصاص في النفس إنما يجب بعد موته ويكون للوارث لا للمورث ، فالوارث هو الذي ينتفع به دون المورث فيكون المورث بعفوه مسقطا حق الغير ومسقطا للحق قبل الوجوب وذلك باطل ، والدليل عليه أن عفو الوارث قبل موت المورث عن القصاص صحيح ولو كان القصاص يجب للمورث لا يصح عفو الوارث كالإبراء عن الدين وجه الاستحسان أن الوراثة خلافه .

وإنما يجب القصاص للوارث [ ص: 154 ] على وجه الخلافة عن المورث لا ابتداء ; ولهذا لو انقلب مالا يقضي منه دين المورث وتنفذ وصايا فاصل الحق كأنه ثابت للمورث فيصح بعد ما وجد سبب وجوب الحق ، وإن لم يجب بعد كما يجوز التكفير بعد الجرح قبل زهوق الروح ، ثم عفوه في الانتهاء كإذنه في الابتداء وإذنه في الابتداء مسقط للقود عن الجاني حتى إذا قال : اقطع يدي فقطعه فسرى لا يجب شيء كذلك عفوه في الانتهاء ولو عفا الولي قبل موت المجروح ففي القياس لا يصح عفوه أيضا ; لأنه لم يأن حقه بعد فإن ثبوت حقه بطريق الخلافة وذلك بعد موت المورث ، وإذا أسقط حقه قبل أوانه كان باطلا كما إذا أبرأ عن دين واجب لمورثه في حياته وجه الاستحسان أن السبب يجعل قائما مقام حقيقة وجوب الحق في صحة العفو وهذا السبب انعقد موجبا للقصاص للوارث ، وإن كان بطريق الخلافة عن المورث فيقام مقام حقيقة وجوب الحق في تصحيح عفوه يوضحه أن باعتبار أصل السبب الحق للمورث ; لأن السبب جناية على حقه ، وهو من أهل أن يجب له الحق بعد هذا السبب وباعتبار نفس الواجب الحق للوارث ; لأن القصاص في النفس لم يجب إلا بعد الموت وبعد الموت المورث ليس بأهل أن يجب له الحق فيجب للوارث وكل واحد من الجانبين مراعى فلمراعاة السبب صححنا عفو المورث استحسانا ولمراعاة الواجب بالسبب صححنا عفو الوارث استحسانا وهذا ; لأن العفو مندوب إليه قال الله تعالى { وأن تعفوا أقرب للتقوى } وقال { فمن تصدق به فهو كفارة له } فيجب تصحيحه ما أمكن . والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية