صفحة جزء
ولو كانا عبدين فشج كل واحد منهما صاحبه معا وبرآ خير مولى كل واحد منهما ، فإن شاء دفعه ، وإن شاء فداه بجناية مملوكه على مملوك صاحبه ، فإن اختار الدفع صار عبد كل واحد منهما للآخر فلا يتراجعان بشيء سوى ذلك ; لأن كل واحد منهما وصل إلى ما كان مستحقا له ، وإن اختار الفداء أدى كل واحد منهما أرش جناية الآخر تاما ، وإن سبق أحدهما بالضربة قيل لمولى البادي بالضربة ادفعه أو افده ; لأن عبده سبق بالجناية فيخير هو أولا ، فإن دفعه صار العبد [ ص: 120 ] للمدفوع إليه ، ولا يرجع الدافع عليه بشيء ; لأنه لو رجع بشيء لزمه دفع ذلك إليه مع عبده عن الجناية فتبقى جناية عبد الآخر عليه معتبرة ، فإن مات البادي من الضربة وبرئ الآخر وقيمة كل واحد منهما خمسة آلاف ، فإن قيمة الميت في عنق الحي يدفع بها أو يفدي ، فإن فداه بقيمة الميت رجع في تلك القيمة بأرش جناية عبده ; لأن حقه كان ثابتا في رقبة الميت باعتبار جنايته على ملكه ، وقد مات وأخلف بدلا فيكون له أن يرجع في ذلك البدل بأرش جراحة عبده ، وإن دفعه رجع بأرش شجة عبده في عنقه ويخير المدفوع إليه بين الدفع والفداء ; لأن الجناية من عبده كانت بعد الشجة فلا يتعلق حق مولى المجني عليه بأرش تلك الشجة ، وقد كان قبل جناية مولى المجني عليه مخيرا بين الدفع والفداء فكذلك بعد جنايته .

( ألا ترى ) أن عبدا لو شج عبدا موضحة ، ثم جاء عبد آخر فقتل الشاج خطأ خير مولاه بين الدفع والفداء ، فإن فداه كان أرش جراحة المشجوج في ذلك الفداء ، وإن دفعه خير مولى العبد الميت ، فإن شاء دفعه على ما سبق ، وقد أعاد جواب هذا السؤال بعد هذا بأسطر ، وقال مولى الميت بالخيار إن شاء دفع أرش جناية الحي مكان قيمة عبده في عنق الباقي ويخير مولاه ، فإن شاء دفعه ، وإن شاء فداه ، وإن أبى أن يدفع المولى أرش جناية الحي فلا شيء له في عنق الحي ; لأن عبده هو البادي بالجناية فلا يكون له في عنق الحي شيء حتى يؤدي أرش جنايته .

( ألا ترى ) أن عبده لو كان حيا بدئ به فقيل له ادفعه أو افده ؟ فكذلك إذا كان ميتا ، ولو برئ الأول ومات الآخر من الجناية خير مولى الأول بين الدفع والفداء ; لأن عنده هو الذي بدأ بالجناية ، فإن فدى عبده كان أرش جناية عبده في الفداء بعدما يدفع منه أرش موضحة العبد الآخر ; لأن العبد الآخر جنى على عبده ، وهو مشجوج فلا يتعلق به حقه بأرش الشجة ، وإنما كان حقه في العبد مشجوجا ، وقد مات وأخلف عوضا ، وإن دفع عبده فلا شيء له عليه ; لأن حقه بالدفع يسقط عن أرش جناية العبد الآخر على عبده ، فإذا استوفى ذلك لزمه دفعه مع عبده فلا يكون استيفاؤه مفيدا شيئا .

التالي السابق


الخدمات العلمية