صفحة جزء
باب وصية الصبي والوارث ( قال رحمه الله ) وإذا أوصى الصبي بوصية فوصيته باطلة سواء مات قبل الإدراك [ ص: 92 ] أو بعده عندنا وقال الشافعي : وصيته بما يرجع إلى الخير ويكون مستحسنا عند أهل الصلاح صحيحة يجب تنفيذها ، وكذلك الخلاف في المجنون واستدل في ذلك بحديث عمر رضي الله عنه أنه أجاز وصية غلام يفاع أو قال : يافع ، وهو الذي قارب البلوغ ولم يبلغ بعد ، وهذا ; لأن أوان وجوب الوصية ما بعد الموت وبالموت يستغني هو عن المال ، وإنما لا يصح تصرفه في حياته لمعنى النظر له حتى يبقى له المال فيصرفه إلى حوائجه بعد البلوغ ومعنى النظر له في تنفيذ وصيته إذا مات في ذلك ; لأنه يكتسب الزلفى والدرجة بعد ما استغنى عن المال بنفسه ، والدليل عليه أن الوصية أحب الميراث والصبي في الإرث عنه بعد الموت مساو للبالغ فكذلك في الوصية قال : ولا يلزمني على قولي هذا أن إسلامه لا يصح بنفسه ، وأن قبول الهبة والصدقة لا يصح ; لأن ما فيه منفعة للصبي إذا أمكن تحصيله له بوليه لا يعتبر فيه عقله ورشده .

وإذا لم يمكن تحصيله بوليه يعتبر فيه عقله ورشده توفيرا للمنفعة عليه والإسلام يحصل له بغيره ، وكذلك قبول الهبة والصدقة فأما اكتساب الأجر بالوصية فلا يمكن تحصيله له بغيره فلا بد من اعتبار عقله فيه وأصحابنا رحمهم الله يقولون : هذا تمليك المال بطريق التبرع ، ولا يصح من الصبي والمجنون كالهبة والصدقة ، وهذا ; لأن اعتبار عقله فيما ينفعه دون ما يضره .

( ألا ترى ) أنه لم يعتبر عقله في حق الطلاق والعتاق ; لأن ذلك يضره باعتبار أصل الوضع فكذلك تمليك المال بطريق التبرع فيه ضرر باعتبار أصل الوضع .

وإن تصور في الوصية منفعة فذلك باعتبار الحال ، وفي التصرفات يعتبر أصل الوضع لا الأحوال ( ألا ترى ) أن الطلاق قد ينفعه في بعض الأحوال بأن يطلق امرأته الفقيرة ويتزوج بأختها الموسرة ولم يعتبر هذا فهذا مثله ، وكما أن منفعة الوصية لا يمكن تحصيلها له بوليه فمنفعة الهبة والصدقة من حيث الأجر وصلة الرحم لا يمكن تحصيلها بوليه ، وهذا لا يدل على أنه كان يملك ذلك بنفسه وتأويل حديث عمر رضي الله عنه أنه كان الغلام بالغا ولكنه كان قريب العهد بالبلوغ ومثله يسمى يافعا بطريق المجاز .

( ألا ترى ) أنه لم يستفسر وصيته كانت بعمل القربة أو بغيره وكذلك لو قال الصبي : إذا أدركت ، ثم مت فثلثي لفلان فهو باطل ; لأن قول الصبي هدر في التبرعات كما هو هدر في الطلاق والعتاق ، ثم لا يصح منه إضافة الطلاق والعتاق إلى ما بعد البلوغ كما لا يصح منه غيرهما فكذلك إضافة التبرع ، وهذا بخلاف المكاتب إذا قال : إذا أعتقت فثلث مالي وصية لفلان ; لأن المكاتب مخاطب له قول ملزم في حق نفسه فيصح إضافة التبرع إلى حالة حقيقة ملكه فأما الصبي فغير مخاطب [ ص: 93 ] وليس له قول ملزم في التبرعات أصلا فأما المكاتب إذا أوصى بثلث ماله ، ثم أدى فعتق ، ثم مات فعند أبي حنيفة الوصية باطلة وعند أبي يوسف هي صحيحة ، وهذا نظير ما سبق في كتاب العتاق

التالي السابق


الخدمات العلمية