صفحة جزء
[ ص: 211 ] اعلم أن المستخرج من المعادن أنواع ثلاثة منها جامد يذوب وينطبع كالذهب والفضة والحديد والرصاص والنحاس ، ومنها جامد لا يذوب بالذوب كالجص والنورة والكحل والزرنيخ ، ومنها مائع لا يجمد كالماء والزئبق والنفط . فأما الجامد الذي يذوب بالذوب ففيه الخمس عندنا . وقال الشافعي رحمه الله تعالى فيما سوى الذهب والفضة لا يجب شيء وفي الذهب والفضة يجب ربع العشر والنصاب عنده معتبر حتى إذا كان دون المائتين من الفضة لا يجب شيء ، وفي اعتبار الحول له وجهان . حجته قوله صلى الله عليه وسلم { في الرقة ربع العشر } وهو اسم للذهب والفضة . وفي الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم { أعطى بلال بن الحارث معادن القبلية وهي يؤخذ منها ربع العشر } إلى يومنا هذا ، والمعنى فيه أنه مباح لم تحرزه يد قط فكان لمن وجده ولا شيء فيه كالصيد والحطب والحشيش ، وهذا لأن الناس في المباحات سواء ، وإنما يظهر التقوم فيها بالإحراز فكانت للمحرز إلا أن الزكاة واجبة في الذهب والفضة باعتبار أعيانهما دون سائر الجواهر ولكن يشترط تكميل النصاب والحول على أحد الوجهين ، وفي الوجه الآخر قال : كم من حول مضى على هذا العين قبل أخذه واعتبار الحول لحصول النماء ، وهذا كله نماء فلا معنى لاعتبار الحول فيه بخلاف الكنز فإنه كان في يد أهل الحرب ، وقد وقع في يد المسلمين بإيجاف الخيل والركاب ووجب فيها الخمس ولم يؤخذ لخفاء مكانه حتى ظهر الآن فلهذا يؤخذ منه الخمس ، فأما الذهب والفضة من المعدن فحادث يحدث بمرور الزمان من غير أن كان في يد أحد فهو كالحطب والحشيش .

( وأصحابنا ) احتجوا بحديث أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : { ، وفي الركاز الخمس } واسم الركاز يتناول الكنز والمعدن جميعا ; لأنه عبارة عن الإثبات يقال ركز رمحه في الأرض إذا أثبته والمال في المعدن مثبت كما هو في الكنز ، ولما { قيل : يا رسول الله وما الركاز قال : الذهب والفضة اللذين خلقهما الله في الأرض يوم خلقها } . ولما { سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عما يوجد في الخرب العادي قال : فيه وفي الركاز الخمس } فعطف الركاز على المدفون فعلم أن المراد بالركاز المعدن والمعنى فيه أن هذا مال نفيس مستخرج من الأرض فيجب فيه الخمس كالكنز ، وهذا لأن المعنى الذي لأجله وجب الخمس في الكنز موجود في المعدن فإن الذهب والفضة [ ص: 212 ] تحدث في المعدن من عروق كانت موجودة حين كانت هذه الأرض في يد أهل الحرب ، ثم وقعت في يد المسلمين بإيجاف الخيل فتعلق حق مصارف الخمس بتلك العروق فيثبت فيما يحدث منها فكان هذا والكنز سواء من هذا الوجه ، ثم يستوي إن كان الواجد حرا أو عبدا مسلما أو ذميا صبيا أو بالغا رجلا أو امرأة فإنه يؤخذ منه الخمس والباقي يكون للواجد سواء وجده في أرض العشر أو أرض الخراج ; لأن استحقاق هذا المال كاستحقاق الغنيمة ولجميع من سمينا حق في الغنيمة إما سهما وإما رضخا فإن الصب والعبد والذمي والمرأة يرضخ لهم إذا قاتلوا ولا يبلغ بنصيبهم السهم تحرزا عن المساواة بين التابع والمتبوع ، وهنا لا مزاحم للواجد في الاستحقاق حتى يعتبر التفاضل فلهذا كان الباقي له . والذي روى أن عبدا وجد جرة من ذهب على عهد عمر رضي الله عنه فأدى ثمنه منه وأعتقه وجعل ما بقي منه لبيت المال ، تأويله أنه كان وجده في دار رجل فكان لصاحب الخطة ولم يبق أحد من ورثته فلهذا صرفه إلى بيت المال ورأى المصلحة في أن يعطي ثمنه من بيت المال ليوصله إلى العتق وأما الجامد الذي لا يذوب بالذوب فلا شيء فيه لقوله صلى الله عليه وسلم {لا زكاة في الحجر } ومعلوم أنه لم يرد به إذا كان للتجارة ، وإنما أراد به إذا استخرجه من معدنه فكان هذا أصلا في كل ما هو في معناه ، وكذلك الذائب الذي لا يتجمد أصلا فلا شيء فيه ; لأن أصله الماء والناس شركاء فيه شرعا ، قال صلى الله عليه وسلم { الناس شركاء في ثلاث في الماء والكلاء والنار } فما يكون في معنى الماء وهو أنه يفور من عينه ولا يستخرج بالعلاج ولا يتجمد كان ملحقا بالماء فلا شيء فيه

التالي السابق


الخدمات العلمية