مواهب الجليل في شرح مختصر خليل

الحطاب - محمد بن محمد بن عبد الرحمن الرعينى

صفحة جزء
ص ( والوجوب بإفراك الحب أو طيب الثمر )

ش : يعني أن وجوب الزكاة يتعلق بالحبوب بالإفراك وفي الثمر والزبيب بطيبها وهذا هو المشهور ، قال ابن عبد السلام : اختلف المذهب في الوصف الذي تجب به الزكاة في الثمار والزروع على ثلاثة أقوال : أحدها - وهو المشهور : إنه الطيب وطيب كل نوع معلوم فيه ، والثاني - : إنه الجذاذ فيما يجذ من الثمرة والحصاد فيما يحصد ، والثالث - : إنه الخرص ، انتهى . وقال في التوضيح في شرح قول ابن الحاجب ويجب بالطيب والإزهاء والإفراك ، وقيل بالحصاد والجذاذ معا ، وقيل بالخرص فيما يخرص الطيب عام في جميع الثمرة والإزهاء خاص بالثمر وهو طيب أيضا فهو من عطف الخاص على العام والإفراك في الحب خاصة .

وحاصل كلامه أن في الحبوب قولين وفي الثمار ثلاثة : الأول - قول مالك ، قال : إذا زهت النخل وطاب الكرم واسود الزيتون أو قارب وأفرك الزرع واستغنى عن الماء وجبت فيه الزكاة ، والقول الثاني - : إنها لا تجب في الزرع إلا بالحصاد ولا يجب في الثمر إلا بالجذاذ ، ونسبه اللخمي وابن هارون وابن عبد السلام لابن مسلمة ، والقول الثالث خاص [ ص: 286 ] بالثمرة ، وأنها لا تجب إلا بالخرص وهو للمغيرة ورأى الخارص كالساعي ، وترتيب هذه الأشياء في الوجود هو أن الطيب أولا ثم الخرص ثم الجذاذ ، وأن الإفراك أولا ثم الحصاد ، انتهى . وقال ابن عرفة : وما تجب به اللخمي وابن رشد المشهور الطيب مبيح البيع المغيرة الخرص ابن مسلمة الجذ والحصد ، انتهى .

( تنبيهات الأول ) قوله : إن الزكاة تجب في الحب بالإفراك يخالف قوله إن الزكاة تجب بالطيب المبيح للبيع ; لأن الطيب المبيح للبيع هو اليبس ، وقد وقع هذا الاختلاف في كلام ابن رشد فقال في أول سماع ابن القاسم من كتاب زكاة الحبوب : إذا أفرك الزرع واستغنى عن الماء فقد وجبت فيه الزكاة على صاحبه ، وكذلك الثمرة إذا أزهت ، وقال بعد ذلك في رسم يشتري الدور والمزارع من سماع يحيى أما ما أكل من حائطه بلحا أو من زرعه قبل أن يفرك فلا اختلاف في أنه لا يحسبه ; لأن الزكاة لم تجب عليه بعد ، إذ لا تجب الزكاة في الزرع حتى يفرك ولا في الحائط حتى يزهي ، واختلف فيما أكل من ذلك أخضر بعد وجوب الزكاة فيه بالإزهاء في الثمار أو بالإفراك في الحبوب على ثلاثة أقوال : أحدها - قول مالك : إنه يجب عليه أن يحصي ذلك كله ويخرج زكاته ، والثاني - إنه لا تجب عليه زكاته وهو قول الليث ومذهب الشافعي لقوله تعالى { كلوا من ثمره إذا أثمر وآتوا حقه يوم حصاده } ، والثالث - تجب عليه في الحبوب ولا تجب عليه في الثمار { لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خرصتم فخذوا ودعوا فإن لم تدعوا الثلث فدعوا الربع } ، وهو قول ابن حبيب : إن الخارص يترك لأهل الحوائط قدر ما يأكلون ويعطون ، وقد روي مثل ذلك عن مالك ، وهذا إنما يصح على القول بأن الزكاة لا تجب في الثمار إلا بالجذاذ ، وهو قول محمد بن مسلمة ، وفائدة الخرص على هذا مخافة أن يكتم منها شيئا بعد اليبس أو الجذاذ ، فإن خشي مثل ذلك في الزرع فقال ابن عبد الحكم يوكل الإمام من يتحفظ بذلك ، وقيل إنه يخرص إن وجد من يحسن خرصه وهو أحسن والمغيرة يرى الزكاة تجب في الثمار بالخرص ففي حد وجوب الزكاة في الثمار ثلاثة أقوال : المشهور في المذهب أنها تجب بالطيب

والثاني - تجب بالجذاذ ، والثالث - تجب بالخرص فإن مات صاحب الثمرة قبل أن يخرص خرصت على الورثة إن كان في حظ كل واحد منهم ما تجب فيه الزكاة ، انتهى . وقال بعد ذلك : وأما بيع الحب إذا أفرك على أن يترك حتى ييبس فلا اختلاف في المذهب أن ذلك لا يجوز ابتداء ، وإنما يختلف الحكم فيه إذا وقع ، فقيل : إن العقد فيه فوت ، وقيل القبض ، وقيل لا يفوت بالقبض حتى يفوت بعده ، وقال في الرواية في سماع يحيى : إن علم به قبل أن ييبس فسخ ، وإن لم يعلم به إلا بعد أن ييبس مضى ، واختلف العلماء في وقت بيع الزرع ، فقال بعضهم : إذا أفرك ، وقال بعضهم : حتى ييبس ، قال ابن القاسم : فأنا أجيز البيع إذا فات باليبس لما جاء فيه من الاختلاف وأرده إذا علم به قبل اليبس ، قال ابن رشد : فهذه أربعة أقوال ، وهذا إذا اشتراه على أن يتركه حتى ييبس أو كان ذلك العرف ، وأما إن لم يشترط تركه ولا كان العرف فيه ذلك فالبيع فيه جائز وإن تركه مشتريه حتى ييبس ، انتهى . وقال المصنف في فصل الجوائح : ومضى بيع حب أفرك قبل يبسه بقبضه ، انتهى . وقال في الشامل لما ذكر به : والصلاح في الثمار وفي الحنطة ونحوها والقطاني يبسها فإن بيعت قبله وبعد الإفراك على السكت كره ومضى بالقبض على المتأول ، وقيل : يفسخ ، وقيل : يفوت باليبس ، وقيل بالعقد ، انتهى .

فعلى هذا فيقال : المراد بالإفراك أن ييبس الحب ويستغني عن الماء ، قال اللخمي : الزكاة تجب عند مالك بالطيب فإذا أزهى النخل وطاب الكرم وحل بيعه أو أفرك الزرع واستغنى عن الماء واسود الزيتون أو قارب الاسوداد وجبت [ ص: 287 ] الزكاة فيه ، وقال المغيرة : تجب بالخرص ، وقال ابن مسلمة : بالجذاذ ، انتهى . ويمكن أن يقال يكفي الإفراك ; لأن البيع إذا وقع بعد الإفراك لا يفسخ على الراجح فتأمله . الثاني الحصاد بفتح الحاء وكسرها ، وقد قرئ بهما ، والكسر لغة الحجازيين والفتح لغة نجد والجداد بفتح الجيم وكسرها وبالدال المهملة على ما ذكره صاحب الصحاح والقاموس ، وذكر صاحب المحكم أنه يقال بالذال المعجمة ، والله أعلم . ( الثالث ) قال ابن عبد السلام : القول الثاني أقرب إلى نص التنزيل لقوله تعالى { وآتوا حقه يوم حصاده } إن حملت الآية على الزكاة ، وقد تقدمت الإشارة إلى أن المفسرين اختلفوا في ذلك ، انتهى . يشير إلى ما قدمه في أول الكلام على زكاة الحبوب ، وأنه اختلف في تفسير الحق هل هو الزكاة أو هو أمر زائد عليها أو أمر آخر نسخ بها ؟ انتهى .

( الرابع ) لو أخرج زكاة الزرع بعد الطيب وقبل الجذاذ أجزأت على المشهور وعلى قول ابن مسلمة لا تجزي كما صرح بذلك في النوادر ، ونقله اللخمي وابن يونس

التالي السابق


الخدمات العلمية