مواهب الجليل في شرح مختصر خليل

الحطاب - محمد بن محمد بن عبد الرحمن الرعينى

صفحة جزء
ص ( أو قدمت في عين وماشية )

ش : يعني أن زكاة العين والماشية إذا قدمت قبل الحول فإنها تجزئ ، وهذا هو المشهور إذا قدمت قبل الحول بيسير ، وقال أشهب : لا تجزئ قبل محلها كالصلاة ، ورواه عن مالك ، نقله ابن رشد ، قال في التوضيح ورواه ابن وهب ، قال ابن يونس : وهو الأقرب وغيره استحسان ، قال في البيان : وحمل ابن نافع قول مالك عليه وهو رأى أنها لا تجزئ قبل محلها بيوم واحد ولا بساعة واحدة وهو ضامن لها حتى [ ص: 361 ] يخرجها بعد محلها ، انتهى من أول رسم من سماع أشهب ، والمشهور هو مذهب المدونة ، وقال ابن رشد في الرسم المذكور : إنه الأظهر ، قال في كتاب الزكاة الأول من المدونة : ولا ينبغي إخراج زكاة شيء من عين أو حرث أو ماشية قبل وجوبه إلا أن يكون قبل الحول بيسير فيجزئه ولا يجزئه فيما بعد ، قال أبو الحسن : قوله هنا لا ينبغي هنا بمعنى لا يجوز ، ثم قال : وقوله إلا أن يكون قبل الحول راجع إلى ما يشترط فيه العين والماشية ، انتهى .

( تنبيهات الأول ) لم أر في شيء من النسخ تقييد التقديم بالزمن اليسير ، ولا بد منه كما تقدم في لفظ المدونة ، ونقل أبو الحسن الاتفاق على أنها لا تجزئ فيما بعد ، وهو ظاهر كلام اللخمي فإنه قال : من عجل زكاة ماله لعام أو لعامين أو في العام بنفسه قبل أن يقرب الحول لم يجزه ، واختلف إذا قرب الحول ، انتهى . ولا أعلم في عدم الإجزاء إذا قدمت قبل الحول بكثير خلافا في المذهب كما صرح بذلك الرجراجي في شرح المدونة .

( الثاني ) لم يبين في المدونة حد اليسير ، وذكر ابن رشد في المقدمات وفي الرسم المذكور من سماع أشهب في حده أربعة أقوال : أحدها - أنه اليوم واليومان ونحو ذلك وهو قول ابن المواز ، الثاني - أنه العشرة الأيام ونحوها وهو قول ابن حبيب في الواضحة ، الثالث - أنه الشهر ونحوه وهو رواية عيسى عن ابن القاسم ، الرابع أنه الشهران ونحوهما وقع ذلك في المبسوط ، هكذا قال في البيان ، وقال في المقدمات : الرابع - أنه الشهران فما دونهما وهو رواية زياد عن مالك ، انتهى .

ونقل اللخمي الأقوال الثلاثة الأول ولم يقل فيها ونحو ذلك كما قال ابن رشد ، بل قال في قوله محمد إذا كان مثل اليوم واليومين أجزأه ولا يجزئه ما فوق ذلك ، ونقل الأقوال الثلاثة عياض ، وزاد هو واللخمي خامسا ، ولم يعزواه وهو نصف شهر ، ونقل ابن بشير وابن الحاجب في حد اليسير قولين آخرين : أحدهما - إنه خمسة أيام ، الثاني - إنه ثلاثة أيام ، قال ابن عرفة : ولا أعرفها ، انتهى . قلت : القول بالثلاثة الأيام يشبه قول ابن المواز واليومان ونحوهما ، ويؤيد ذلك أن ابن بشير وابن الحاجب لم ينقلا قول ابن المواز ، وكلام ابن بشير صريح في أنه هو الثالث ، وجه صاحب الطراز قول ابن القاسم أن حد اليسير الشهر ، فإنه إذا بقي لحولها ثلاثون يوما ونحوها فقد دخل شهر زكاته ، وكان ذلك أول وقت الأداء ، وقد يكون بالفقراء حاجة مفدحة فيتسامح في إخراجها ويكون ذلك أصلح للفقراء وفي كلامه ميل إلى ترجيح هذا القول فإنه فرع عليه وهو الظاهر ، وقال الشريف الفاسي في تصحيح ابن الحاجب : وعليه اقتصر خليل في مختصره فلعله وقع في نسخة من المختصر كذلك ، ولو قال المصنف أو قدمت ب كشهر في عين وماشية لأفاد المسألتين - أعني التقييد باليسير وتحديده - ، والله أعلم .

( الثالث ) ما ذكره في الماشية محله إذا لم يكن سعاة ، وأما إذا كان الساعي يخرج ويصرفها في مصارفها فقد تقدم أنها لا تجزئ ممن أخرجها قبل مجيئه ، ولو كان ذلك بعد كمال الحول على المشهور ، وصرح بذلك اللخمي هنا ، فقال لما ذكر التقديم : ويجوز في المواشي إذا لم يكن سعاة على مثل ما يجوز في العين أو كان سعاة على القول إنها تجزئ إذا أخرجها قبل مجيء الساعي ، انتهى .

وقاله في الطراز ، ونقله في الذخيرة ، والله أعلم .

( الرابع ) قال الشارح في الكبير : الذي يظهر لي أن حرف الجر في قوله في عين وماشية للسببية ، كقوله عليه الصلاة والسلام { دخلت امرأة النار في هرة } ، والتقدير إن قدمت إذا وجبت بسبب عين وماشية ، انتهى .

( قلت ) : الذي يظهر أنه للظرفية ، أي قدمت في زكاة عين وماشية فهي ظرف للتقييد ، ثم رأيت البساطي " أنها للظرفية " والله أعلم .

( الخامس ) يفهم من كلام المصنف أن الخلاف إنما هو في الإجزاء بعد الوقوع لا في الجواز ابتداء وهو كذلك فقد اعترض المصنف على ابن هارون في قوله " المشهور الجواز " بأنه إنما نقل صاحب الجواهر والتلمساني [ ص: 362 ] الخلاف في الإجزاء ، قال في التوضيح : وهو الأقرب لأنه لا شك أن المطلوب ترك ذلك ابتداء ، انتهى . وقد تقدم في لفظ المدونة أنه لا ينبغي ، وقال أبو الحسن إن معناه أنه لا يجوز وفي سماع عيسى وأرى الشهر قريبا على زحف وكره ، وقوله على زحف بالزاي والحاء المهملة أي استثقال ، والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية