مواهب الجليل في شرح مختصر خليل

الحطاب - محمد بن محمد بن عبد الرحمن الرعينى

صفحة جزء
ص ( وإلا فلهما ذو الحليفة والجحفة ويلملم وقرن وذات عرق )

ش : الضمير في لهما راجع للحج والعمرة أي : وإن لم يكن مقيما بمكة فالميقات المكاني إذا أراد الإحرام بالحج والعمرة هذه المواقيت المذكورة ، والأصل في هذا ما ورد في الصحيحين من حديث ابن عباس رضي الله عنهما { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقت لأهل المدينة ذا الحليفة ولأهل الشام الجحفة ولأهل نجد قرن المنازل ولأهل اليمن يلملم ، وقال هن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن ، ممن أراد الحج والعمرة ، ومن كان دون ذلك فمن حيث أنشأ حتى أهل مكة من مكة } ، وفي رواية للبخاري { ومن كان دونهن فمهله من أهله حتى أهل مكة يهلون من مكة } فأما ذو الحليفة فهو ميقات أهل المدينة ، وهو بضم الحاء المهملة وفتح اللام وبالفاء تصغير حلفة ، وهو ماء لبني جشم بالجيم والشين المعجمة ، وهو أبعد المواقيت من مكة بينهما عشر مراحل أو تسع وبينها وبين المدينة أربعة أميال على قول ابن حزم ، وقال النووي ستة ، وقال غيره سبعة ، وقال ابن مسدي ، وهي من المدينة على أربعة أميال أو دونها وبين الحليفة ومكة نحو المائتي ميل تقريبا قال ابن جماعة ومسجده يسمى مسجد الشجرة ، وقد خرب ، وبها البئر التي يسمونها العوام بئر علي ينسبونها إلى علي رضي الله عنه ويزعمون أنه قاتل الجن بها ، ونسبتها إليه رضي الله عنه غير معروفة عند أهل العلم ، ولا يرمي بها حجرا ، ولا غيره كما يفعله بعض الجهلة انتهى .

قال ابن فرحون في شرح ابن الحاجب ، وهي داخل حرم المدينة ، وفي بعدها معنى لطيف ، وهو أن أهل المدينة يتلبسون بالإحرام في حرم المدينة ويخرجون محرمين من حرم إلى حرم فيتميز الإحرام من المدينة بحصول شرف الابتداء والانتهاء ، والحاصل بغيره شرف الانتهاء انتهى .

بالمعنى ، وأما الجحفة فهي ميقات أهل الشام ومصر وأهل المغرب قال ابن الحاج ومن وراءهم من أهل الأندلس انتهى .

وكذلك أهل الروم وبلاد التكرور قال ابن فرحون في الشرح [ ص: 31 ] وهي بضم الجيم وسكون الحاء المهملة وبالفاء قرية خربة بين مكة والمدينة على نحو خمسة مراحل من مكة ، وهي على نحو ثمان مراحل من المدينة قال النووي في تهذيبه وكانت عامرة ذات منبر قال صاحب المطالع وغيره سميت جحفة ; لأن السيل أجحفها ، وحمل أهلها انتهى .

وذكر ذلك غير واحد ، وذكر الشيخ يوسف بن عمر في شرح الرسالة عن بعضهم أن هذا لا يصح ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم سماها بذلك في زمانه والسيل إنما أجحفها في سنة ثمانين من الهجرة انتهى .

( قلت : ) : والظاهر : أن السيل أجحفها قبل هذا الإجحاف الذي ذكره الشيخ يوسف بن عمر فقد ذكر في القاموس أنها كانت تسمى مهيعة فنزلها بنو عبيد ، وهم إخوة عاد حين أخرجهم العماليق من يثرب فجاءهم سيل فأجحفهم فسميت الجحفة ، وذكره الشيخ أبو الحسن الصغير في شرح المدونة ، وقال في آخره فأجحفهم أي أهلكهم ويشير إلى ما ذكرناه من قول ابن الفاكهاني في شرح العمدة سميت بذلك ; لأن السيل أجحفها في وقت

انتهى .

ومهيعة بفتح الميم وسكون الهاء وفتح المثناة التحتية قال ابن جماعة هذا هو : المشهور ، وقيل : بفتح الميم وكسر الهاء وسكون الياء على وزن جميلة ، وهي التي دعا النبي صلى الله عليه وسلم أن ينقل إليها حمى المدينة وكانت يومئذ دار اليهود ، ولم يكن بها مسلم ويقال : إنه لا يدخلها أحد إلا حم ، وهي بالقرب من رابغ الذي يحرم الناس منه على يسار الذاهب إلى مكة انتهى .

وقال ابن عبد السلام في شرح ابن الحاجب ، وقال بعضهم إن مهيعة قرية قريبة من الجحفة انتهى .

وحديث الدعاء بنقل حمى المدينة إلى الجحفة في كتاب الحج من الصحيحين والجحفة قريبة من البحر بينها وبينه ستة أميال ، وأما يلملم فهو ميقات أهل اليمن والهند ويماني تهامة ، وهي بفتح الياء المثناة التحتية واللام الأولى والثانية وبينهما ميم ساكنة وآخره ميم ويقال : ألملم بهمزة مفتوحة في موضع الياء ثم لام مفتوحة ثم ميم ساكنة ثم لام مفتوحة ثم ميم ساكنة قال ابن عبد السلام في شرح ابن الحاجب وابن جماعة الشافعي ، وهو الأصل والياء بدل من الهمزة ويقال : يرمرم براءين بدل اللامين ، وهو جبل من جبال تهامة على مرحلتين من مكة ، وأما قرن بفتح القاف وسكون الراء فهو ميقات أهل نجد اليمن وأهل نجد الحجاز والنجد بفتح النون وسكون الجيم ما ارتفع من الأرض وحده ما بين العذيب إلى ذات عرق وإلى اليمامة وإلى جبلي طيئ وإلى جدة وإلى اليمن وذات عرق أول تهامة إلى البحر وجدة ، وقيل : تهامة ما بين ذات عرق إلى مرحلتين من وراء مكة ، وما وراء ذلك من المغرب فهو غور والمدينة لا تهامية ، ولا نجدية ، فإنها فوق الغور ودون نجد قاله في النهاية وقرن هو جبل في جهة المشرق بينه وبين مكة مرحلتان قال في التوضيح ، وهو أقرب المواقيت إلى مكة ، وقاله النووي في شرح مسلم ثم قال في التوضيح وبينه وبين مكة أربعون ميلا انتهى .

، وقال ابن مسدي في منسكه إن أقرب المواقيت إلى مكة يلملم ، وقال : إن بينها وبين مكة ثلاثين ميلا ، وقال بين مكة وقرن اثنان وأربعون ميلا ، وهو غريب ، فإن الذي ذكره التادلي أن بين مكة وقرن أربعين ميلا وبين مكة ويلملم أربعين ميلا ، وقال ابن جماعة الشافعي وغيره في قرن ويلملم وذات عرق : إن هذه الثلاثة على مرحلتين من مكة ، ونقل ابن جماعة أيضا عن ابن حزم أن ذات عرق بينها وبين مكة اثنان أربعون ميلا ، وقال في الطراز وأبعد المواقيت ذو الحليفة ويليه في البعد الجحفة ، وأما يلملم وذات عرق وقرن فقيل : مسافة الجميع واحدة بين الميقات بينها وبين مكة ليلتان قاصرتان ( قلت : ) فالذي تحصل من كلامهم أن هذه المواقيت الثلاثة متقاربة المسافة إلا أن قرنا أقربها كما قاله النووي والمصنف في التوضيح ، وقال في الإكمال وأصل القرن الجبل الصغير المستطيل المنقطع عن الجبل الكبير ، وهو [ ص: 32 ] قرن المنازل أو قرن الثعالب ، وقال بعضهم : هو بفتح الراء ، وهو خطأ انتهى .

وقال ابن جماعة الشافعي بعد أن ذكر نحو ما تقدم هذا هو : المشهور ، وقال بعض المتقدمين من فقهاء الشافعية : إن القرن اثنان أحدهما في هبوط يقال : له قرن المنازل والآخر على ارتفاع ، وهي القرية وكلاهما ميقات ، وقيل : قرن بإسكان الراء الجبل المشرف على الموضع وقرن بفتح الراء الجبل الذي تفترق منه ، فإنه موضع فيه طرق مفترقة انتهى .

وعزا صاحب الإكمال هذا القول الآخر للقابسي ، وقال ابن جماعة : ويقال له : قرن غير مضاف وسماه في رواية للشافعي في المسند قرن المعادن قال في التوضيح : قال النووي : وأخطأ الجوهري فيه خطأين فاحشين أحدهما : أنه قال : بفتح الراء والثاني : أنه زعم أن أويسا القرني منسوب إليه ، والصواب : أنه منسوب إلى قبيلة يقال لها : بنو قرن بفتح الراء ، وهي بطن من مراد كما قاله عمر بن الخطاب رضي الله عنه في حديثه الذي ذكر فيه أويسا القرني ، وقال ابن بشير في التنبيه قرن بفتح الراء وإسكانها

، والله أعلم .

وأما ذات عرق فهو ميقات أهل العراق وبلاد فارس وخراسان وأهل المشرق ، ومن وراءهم ، وهي بكسر العين المهملة قرية خربة على مرحلتين من مكة ، وقال ابن حزم بينهما اثنان وأربعون ميلا ويقال : إن بناءها تحول إلى جهة مكة فتتحرى القرية القديمة ويذكر عن الشافعي أن من علاماتها المقابر قال صاحب الطراز : هذه المواقيت معتبرة بنفسها لا بأسمائها ، فإن كان الميقات قرية فخربت ، وانتقلت عمارتها واسمها إلى موضع آخر ، كان الاعتبار بالأول ; لأن الحكم تعلق به ، وروى ابن عيينة أن سعيد بن جبير رأى رجلا يريد أن يحرم من ذات عرق فأخذ به حتى خرج به من البيوت وقطع به الوادي وأتى به المقابر ثم قال : هذه ذات عرق الأولى انتهى .

التالي السابق


الخدمات العلمية