مواهب الجليل في شرح مختصر خليل

الحطاب - محمد بن محمد بن عبد الرحمن الرعينى

صفحة جزء
( الرابع : ) قال في الطراز في باب حكم المواقيت : يكره لأهل المدينة أن يحرموا من المدينة ; لأن ذلك مخالف لفعله صلى الله عليه وسلم انتهى .

والله أعلم .

( الخامس : ) قوله : صلى الله عليه وسلم هن لهن قال القاضي عياض كذا جاءت الرواية في الصحيحين وغيرهما عند أكثر الرواة يعني أنه بالتأنيث في قوله : لهن قال : ووقع عند بعض رواة البخاري ومسلم هن لهم يعني بتذكير الضمير في قوله : لهم قال : وكذا رواه أبو داود وغيره ، وهو الوجه ; لأنه ضمير أهل هذه المواضع قال : ووجه الرواية المشهورة أن الضمير في لهن عائد على المواضع والأقطار المذكورة ، وهي المدينة والشام واليمن ونجد أي : هذه المواقيت لهذه الأقطار ، والمراد لأهلها فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه انتهى .

وقوله : هن بالتأنيث قال الفاكهاني في شرح العمدة أكثر ما تستعمل العرب هذه الصيغة فيما دون العشرة ، وما جاوز [ ص: 34 ] العشرة استعملته بالألف والهاء قال الله تعالى { إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السموات والأرض منها أربعة حرم } أي : من الاثني عشر ثم قال { فلا تظلموا فيهن أنفسكم } أي : في هذه الأربعة ، وقد قيل : في الاثني عشر ، وهو ضعيف شاذ فاعلم هذه القاعدة ، فإنها من النفائس ( قلت : ) ذكرها القاضي عياض في الإكمال في شرح هذا الحديث قال ، وأما قوله : فهن فجمع من لا يعقل بالهاء والنون ، فإن العرب تستعمله وأكثر ما تستعمله فيما دون العشرة وتستعمل ما جاوز العشرة بالهاء ثم ذكر الآية .

ص ( ومسكن دونها )

ش : يعني به أن من بين مكة والمواقيت فميقاته منزله ، وهذا ظاهر والأصل فيه قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث السابق لما ذكر المواقيت { : ومن كان دونهن فمهله من أهله حتى أهل مكة يهلون من مكة } رواه البخاري كما تقدم ( تنبيهات الأول : ) ظاهره سواء كان منزله في الحل أو في الحرم ، وهو كذلك لمن أراد الإحرام بالحج ، وأما من أراد الإحرام بالعمرة ، فإن كان منزله في الحل أحرم منه ، فإن كان في الحرم فلا بد من الخروج إلى الحل كما تقدم ، وكذلك إن أراد القران على المشهور ، وقد تقدم بيان جميع ذلك ، والله أعلم .

( الثاني : ) إذا قلنا يحرم من منزله فمن أين يحرم ؟ قال في الطراز : قال مالك في الموازية : يحرم من داره أو من مسجده ، ولا يؤخر ذلك ، وهذا بين ; لأنا إن قلنا : من داره فلقوله : صلى الله عليه وسلم { فمن كان دونهن فمن أهله } ، وإن قلنا من المسجد فواسع ; لأنه موضع الصلاة ولأن أهل مكة يأتون المسجد فيحرمون منه ، وكذلك أهل ذي الحليفة يأتون مسجدهم ، والأحسن أن يحرم من أبعدهما من مكة واستحب أصحاب الشافعي أن يحرم من حد قريته الأبعد من مكة ويجري ذلك على قول مالك في الموازية ، وقد سئل في ميقات الجحفة أيحرم من وسط الوادي أو من آخره ؟ قال : كله مهل ، ومن أوله أحب إليه انتهى .

وسيأتي كلام الموازية بكماله عند قول المصنف كإحرامه أوله ( الثالث : ) سيأتي عند قول المصنف إلا كمصري حكم ما إذا سافر من منزله دون الميقات لما وراء منزله أو لما وراء الميقات ، والله أعلم .

( الرابع : ) قال في الجلاب : ومن كان منزله بعد المواقيت إلى مكة أحرم منه ، فإن أخر الإحرام منه فهو كمن أخر الإحرام من ميقاته في جميع صفاته انتهى . ، وهذا بين ، والله أعلم .

ص ( وحيث حاذى واحدا أو مر )

ش : يعني أن من حاذى واحدا من هذه المواقيت أو مر عليه وجب عليه الإحرام منه إلا المصري ، ومن ذكر معه إذا مروا بالحليفة فلا يجب عليهم الإحرام منه ، ولكن يستحب كما سيأتي قال أبو إسحاق التونسي : ومن كان بلده بعيدا من الميقات مشرقا عن الميقات أو مغربا عنه ، وإذا قصد إلى مكة من موضعه لم ير ميقاتا ، وإذا قصد إلى الميقات شق عليه ذلك لإمكان أن تكون مسافة بلده إلى الميقات مثل مسافة بلده إلى مكة ، فإذا حاذى الميقات بالتقدير والتحري أحرم ، ولم يلزمه السير إلى الميقات ، وكذلك من حج في البحر ، فإذا حاذوا الميقات أحرموا انتهى .

( فرع ) حكم من كان منزله حذاء الميقات حكم من حاذى الميقات في السير قال في النوادر : ومن كان منزله حذاء الميقات فليحرم من منزله ، وليس عليه أن يأتي الميقات انتهى .

لكن إن كان منزله قريبا من الميقات فيستحب له الذهاب إلى الميقات قال سند في باب حكم المواقيت : إن من كان منزله بقرب المواقيت فيستحب له أن يذهب إلى الميقات فيحرم منه قاله فيمن أراد الإحرام بالعمرة ( قلت : ) والظاهر : أن مريد الحج أو القران كذلك ، والله أعلم .

وشمل كلام المصنف المكي إذا مر بميقات من هذه المواقيت أو حاذاه ، فإنه يجب عليه الإحرام منه ، ولا يتعداه ، وهو كذلك قال الشيخ أبو محمد في مختصر المدونة : وإذا مر مكي بأحد المواقيت فجاوزه ثم أحرم بحج أو عمرة ، فإن لم يكن حين جاوزه يريد إحراما بأحدهما فلا دم عليه ، وإلا فعليه الدم ، وكذلك [ ص: 35 ] لو لم يحرم حتى دخل مكة فأحرم ، فإن كان إذا جاوزه مريدا ، وإلا فلا شيء عليه ، وقد أساء في دخوله مكة بغير إحرام ثم قال : وأهل الشام ومصر وأهل المغرب يقدم معهم فذلك ميقات له قال سند إذا مروا على ذات عرق أو يلملم أو قرن صار ذلك ميقاتا لهم ، فإن تعدوه فعليهم دم ; إذ لا يتعدونه إلى ميقات لهم قال : وكذلك المكي يقدم معهم فذلك ميقات له قال سند في باب المواقيت لما تكلم على إحرام المكي بالحج من خارج الحرم ما نصه : لو سافر المكي من مكة ثم رجع إليها أحرم من الميقات الذي يمر به ، وصرح بذلك في موضع آخر ، وسيأتي كلامه فيه عند قول المصنف : إلا كمصري ، فإن قيل : مقتضى ما ذكروه في المصري ، ومن ذكر معه من جواز تأخيرهم والإحرام للجحفة ; لأنها ميقاتهم أن يجوز للمكي تأخير الإحرام إلى مكة لقوله : صلى الله عليه وسلم { حتى أهل مكة من مكة } فالجواب ما ذكره صاحب الطراز وغيره : أن المواقيت إنما شرعت لئلا يدخل مكة بغير إحرام ، فلو أجزنا للمكي دخول مكة بغير إحرام لزم منه إبطال الحكم التي لأجلها شرعت المواقيت ، وتقدم نحوه في كلام الباجي في المكي إذا أحرم بالحج من الحل ( قلت : ) ومقتضى هذا الكلام أن المكي إذا مر بذي الحليفة وجب عليه الإحرام منه ، ولا يؤخر للجحفة ، وهو ظاهر ، وفي كلام ابن أبي زيد وصاحب الطراز ما يدل على ذلك ، والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية