مواهب الجليل في شرح مختصر خليل

الحطاب - محمد بن محمد بن عبد الرحمن الرعينى

صفحة جزء
ص ( وخروج كل البدن عن الشاذروان )

ش : الشاذروان بفتح الذال المعجمة وسكون الراء ، وهو بناء لطيف جدا ملصق بحائط الكعبة قاله النووي ، وقال ابن رشيد في رحلته : الشاذروان لفظة عجمية هي في لسان الفرس بكسر الذال واعلم أن المصنف مشى في كتبه كلها على أن الشاذروان من البيت معتمدا في ذلك على ما قاله صاحب الطراز وابن شاس ، ومن تبعهما من المتأخرين قال صاحب الطراز في شرح قوله في المدونة : وسئل عن ممر الطائف في الحجر فقال : قال مالك : ليس بطواف ويلغيه ويبني على ما طاف ، وهذا أبين ; لأن الطواف إنما شرع بجميع البيت إجماعا ، فإذا سلك في طوافه الحجر أو على جداره أو على شاذروان البيت لم يعتد بذلك ، وهو قول الجمهور ; لأنه لم يطف بجميع الكعبة ، وقد حيز ذلك بالحواجز لاستكمال الطواف وعند أبي حنيفة يجزئه انتهى .

وعند ابن شاس من شروط الطواف أن يكون جميع بدنه خارجا عن البيت فلا يمشي على شاذ رواته وتبعه على ذلك القرافي في الذخيرة وابن جزي في قوانينه وابن جماعة التونسي وابن الحاجب وابن عبد السلام وابن هارون في شرح المدونة وابن راشد في اللباب وأظن أنهما وافقا على ذلك في شرحيهما على ابن الحاجب ; لأنه مما لو خالفا لنقل ذلك عنهم المصنف وابن فرحون ، ونقل ابن عرفة كلام ابن شاس وقبله ، ولم يتعقبه مع كثرة تعقبه له فيما لا يكون موافقا لنقول المذهب بل جزم في فصل الاستقبال بأنه من البيت وتبعه على ذلك الأبي وممن تبع ابن شاس ابن معلى والتادلي وغيرهما ، وهذا هو المعتمد عند الشافعية ، وقد أنكر جماعة من العلماء المتأخرين من المالكية والشافعية كون الشاذروان من البيت فمن المالكية العلامة الخطيب أبو عبد الله بن رشيد بضم الراء وفتح الشين المعجمة بعدها ياء تصغير ذكر ذلك في رحلته وبالغ في إنكاره ، وقال : لا توجد هذه التسمية ، ولا ذكر مسماها في حديث صحيح ، ولا سقيم ، ولا عن صحابي ، ولا عن أحد من السلف فيما علمت ، ولا لها ذكر عند الفقهاء المالكيين المتقدمين والمتأخرين إلا ما وقع في جواهر ابن شاس وتبعه ابن الحاجب ، ولا شك أن ذلك منقول من كتب الشافعية وأقدم من ذكره فيما وقفت عليه المزني ، ووقع لها ذكر مقتطف في كتاب الصريح من شرح الصحيح للقاضي أبي بكر بن العربي من غير تعرض لبيان حكم ، وهو أقدم من ابن شاس قال : شاهدت الكعبة في سنة تسع وثمانين وأربعمائة مكشوفة فلم تستر ذلك العام لأمر بيناه في كتاب ترتيب الرحلة فتأملتها مرارا وقست خارجها والحجر الشاذروان ثم قال ولنرجع إلى [ ص: 71 ] الكلام على هذه المسألة فنقول : انعقد إجماع أهل العلم قبل طرو هذا الاسم الفارسي على أن البيت متمم على قواعد إبراهيم من جهة الركنين اليمانيين ولذلك استلمهما النبي صلى الله عليه وسلم دون الآخرين ، وعلى أن ابن الزبير لما نقض البيت وبناه إنما زاد فيه من جهة الحجر ، وأنه أقامه على الأسس الظاهرة التي عاينها العدول من الصحابة وكبراء التابعين

ووقع الاتفاق على أن الحجاج لم ينقض إلا جهة الحجر خاصة ثم نقل عن الشيخ أبي الحسن القابسي والقاضي عياض من المالكية وابن الصباغ والنووي من الشافعية التصريح بأن الركنين اليمانيين على قواعد إبراهيم ثم نقل عن أبي عبيد في كتاب المسالك والممالك أن ابن الزبير لما هدم الكعبة ألصقها بالأرض من جوانبها وظهرت أسسها وأشهد الناس عليها ورفع البناء على ذلك الأساس ثم ذكر عن ابن عبد ربه في كتابه العقد وعن ابن تيمية من الحنابلة أن الشاذروان إنما جعل عمادا للبيت قال : وهذا أمر لا يحتاج عندي إلى نقل ، والمتشكك فيه كمن شك في قاعدة من قواعد الشريعة المعروفة عند جميع الأمة وممن أنكر ذلك من المالكية الإمام العلامة أبو العباس القباب في شرح قواعد القاضي عياض وسيأتي كلامه عند قول المصنف ونصب المقبل قامته وتبع ابن رشيد والقباب على ذلك ابن فرحون في مناسكه وشرحه ، قال : واعلم أن ابن شاس هو المتبوع في هذه المسألة ثم ذكر كلام ابن رشيد وزاد عليه وسيأتي عند قول المصنف ونصب المقبل قامته شيء من كلامهما وكلام ابن جماعة الشافعي .

( قلت : ) وقول ابن رشيد وابن فرحون أن ابن شاس هو المتبوع في ذلك ، وأنه أقدم من ذكرها من المالكية ليس كذلك ، كما تقدم من كلام صاحب الطراز ، وهو أقدم من ابن شاس وقول ابن رشيد : إن أقدم من ذكرها من الشافعية المزني ليس كذلك ، وقد نقل ابن جماعة الشافعي عن نص الشافعي في الأم أنه لو طاف على شاذروان الكعبة أعاد مع أن ابن جماعة ممن رجح أنه ليس من البيت قال في منسكه الكبير : الذي يظهر لي أنه ليس من البيت ، كما نقله السروجي عن الحنفية واختاره جماعة من محققي العلماء ، وقال ابن مسدي في منسكه قال أبو حنيفة : الطواف على الشاذروان جائز ، والبيت هو الظاهر من البناء القائم ويروى نحو ذلك عن مالك بن أنس والدليل على الاحتياط أرجح انتهى .

( قلت : ) وبالجملة فقد كثر الاضطراب في الشاذروان وصرح جماعة من الأئمة المقتدى بهم بأنه من البيت فيجب على الشخص الاحتراز منه في طوافه ابتداء ، وأنه إن طاف وبعض بدنه في هوائه أنه يعيد ما دام بمكة ، فإن لم يتذكر ذلك حتى بعد عن مكة فينبغي أن لا يلزم بالرجوع لذلك مراعاة لمن يقول : إنه ليس من البيت ، والله أعلم .

( تنبيه ) : ذكر المحب الطبري عن الأزرقي أن عرض الشاذروان ذراع قال : وقد نقص عما ذكره الأزرقي في الجهات قال : فتجب إعادته ، ويجب أن يحترز من ذلك الزائد وألف في ذلك تأليفا سماه استقصاء البيان في مسألة الشاذروان نحو نصف الكراس هذا ملخصه ، والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية