مواهب الجليل في شرح مختصر خليل

الحطاب - محمد بن محمد بن عبد الرحمن الرعينى

صفحة جزء
ص ( ثم السعي سبعا بين الصفا والمروة منه البدء مرة ، والعود أخرى )

ش هو معطوف على الإحرام في قوله : وركنهما الإحرام يعني أن الركن الثالث من الأركان التي يشترك فيها الحج والعمرة السعي ، وهو آخر أركان العمرة وقول ابن الحاجب : وتنقضي العمرة بالطواف والسعي والحلاق أو التقصير قال المصنف في التوضيح : أي : كمال العمرة ، ونصه : اعلم أن العمرة هي إحرام وسعي وطواف وحلق والثلاثة الأول أركان ، والرابع : يجبر بالدم فقوله : يعني ابن الحاجب تنقضي العمرة أي : كمال العمرة ، وإلا فالعمرة تصح بدون الحلاق انتهى ، وما ذكره المصنف من أن السعي ركن هو المعروف من المذهب فمن ترك السعي أو شوطا منه أو ذراعا من حج أو عمرة صحيحتين أو فاسدتين رجع له من بلده ، وروى ابن القصار عن القاضي إسماعيل عن مالك أن السعي واجب يجبر بدم إذا رجع لبلده والرواية المذكورة عن مالك هي : من ترك السعي حتى تباعد ، وأطال وأصاب النساء أنه يهدي ويجزيه ففهمها صاحب الطراز أنه غير ركن عنده وفهمها اللخمي وابن رشد على أنه قال مراعاة للخلاف .

ويظهر من كلام المصنف في التوضيح أنه ركن من غير خلاف ، وأن القول بالرجوع مراعاة للخلاف وصرح بذلك ابن فرحون في شرحه ، وهو بعيد وانظر ابن عرفة وللسعي شروط منها : كونه سبعة أشواط ، وقد تقدم في الكلام على الطواف أن من ترك من السعي شيئا ، ولو ذراعا يرجع له من بلده ، ومنها كونه بين الصفا والمروة ، فلو سعى في غير ذلك المحل بأن دار من سوق الليل أو نزل من الصفا ودخل من المسجد لم يصح سعيه ، والواجب فيه السعي بين الصفا والمروة ، ولا يجب الصعود عليهما بل هو مستحب ، كما سيأتي قال سند : والمذهب أنه لا يجب إلصاق العقبين بالصفا بل أن يبلغهما من غير تحديد ومن شروطه البدء من الصفا

، فإن بدأ من المروة لم يعتد بذلك الشوط الأول ، فإن اعتد به فهو كمن ترك شوطا من سعيه ، وقوله : منه البدء أفاد أن البدء [ ص: 85 ] من الصفا ، وأنه يحسب ذلك شوطا ، ويحسب العود شوطا آخر .

ص ( وصحته بتقدم طواف ونوى فريضته ، وإلا فدم )

ش يعني أن شرط صحة السعي أن يتقدمه طواف قال ابن عبد السلام : وذلك متفق عليه ، وقال ابن عرفة : والمذهب شرط كونه بعد طواف انتهى .

، فلو سعى من غير طواف لم يجزه ذلك السعي بلا خلاف وقوله : ونوى فرضيته ، وإلا فدم يعني ، ويجب في الطواف الذي سعى بعده أن يكون فرضا ، فإن أوقع السعي بعد طواف ليس بفرض فعليه دم قال ابن عبد السلام إثر كلامه المتقدم : ثم اختلف ، هل يشترط مع ذلك أن يكون مع أحد الطوافين إما طواف القدوم ، وإما طواف الإفاضة ، ويكفي فيه أي طواف كان ، وقال ابن عرفة إثر كلامه المتقدم ، وفي شرط وجوبه قولان لابن عبد الحكم ولها انتهى .

وقال في التوضيح : من شرط صحة السعي أن يتقدمه طواف واختلف ، هل من شرطه أن يكون واجبا أو يكفي أي طواف كان لقوله في المدونة : وإذا طاف حاج أول دخوله مكة لا ينوي به تطوعا ، ولا فريضة لم يجزه سعيه إلا بعد طواف ينوي به طواف الفريضة ، فإن لم يتباعد رجع فطاف وسعى ، وإن فرغ من حجه ثم رجع إلى بلده وتباعد وجامع النساء أجزأه ذلك ، وعليه دم ، والدم في هذا خفيف انتهى .

فتخفيفه للدم يقتضي أن ذلك ليس بشرط ، وقال ابن عبد السلام : إلى الاشتراط يرجع مذهب المدونة ، وهذا هو المنصوص في المذهب انتهى .

، وفيه نظر ; لأنه لو كان مذهب المدونة الاشتراط للزمه الرجوع ; لأن الشرط يلزم من عدمه العدم على أن سندا اعترض على البراذعي قوله : ولم ينو فرضا ، ولا تطوعا لم يجزه ، وقال : إنما قال في الكتاب : ولم ينو حجا ثم سعى فلا أحب له سعيه إلا بعد طواف ينوي به الفرض ، فإن رجع إلى بلده أو جامع رأيته مجزيا عنه ، وعليه دم انتهى كلام التوضيح يعني أن سندا اعترض على البراذعي في قوله : لم يجزه ، فإنه قال في الطراز : لو لم يكن مجزيا لوجب أن يرجع له من بلده ، كما لو طاف على غير وضوء وسعى ، ولم يعد سعيه حتى رجع إلى بلده وأجاب العوفي عن البراذعي بأن الإجزاء معناه الاكتفاء ، وهو لا يكتفي بما فعله قريبا كان أو بعيدا ففي القرب يعيده ، وفي البعد يجبره بالدم قال : وإنما الاعتراض على البراذعي أنه قال في الأم لم ينو بطوافه لحجه ، وبدلها هو بقوله : فريضة ، ولا تطوعا ، وهذه العبارة إنما تطلق على العابث أو الذاهل ثم قال : ويمكن أن ينتصر له بأنه أراد أنه لم يعين نيته حين الطواف أنه تطوع ، ولا قدوم فلا يكتفي به ، وإن تباعد أجزأه إذ لم يخل عن نية التقرب به ، وقرينته حال الحاج لا سيما من البلاد البعيدة أنه إنما يطوف تقربا بالله تعالى ، وأقل درجات هذه النية التطوع فلهذا ساغ أن يكتفي به انتهى .

يعني مع البعد ( قلت : ) ، والذي رأيته في الأم ، كما قال البراذعي ونصها : قلت لابن القاسم : أرأيت لو أن رجلا دخل مكة فطاف بالبيت أول ما دخل مكة لا ينوي بطوافه هذا فريضة ، ولا تطوعا ثم يسعى بين الصفا والمروة ؟ قال : لا أرى أن يجزيه سعيه بين الصفا والمروة إلا بعد طواف ينوي به طواف الفريضة الذي دخل به ، فإن فرغ من حجه ، ورجع إلى بلده وتباعد ، وجامع النساء رأيت ذلك مجزيا عنه ورأيت عليه الدم ، والدم في هذا خفيف عندي ، قال : وإن كان لم يتباعد رأيت أن يطوف بالبيت ويسعى بين الصفا والمروة انتهى .

وهكذا نقله يونس ، ونقل العوفي عن الأم مثل ما قال سند واختصار الشيخ أبي محمد قريب من ذلك ، ولعل نسخ الأم مختلفة ، وهذا هو الظاهر ، والله أعلم .

فعلم مما تقدم أن معنى قول المصنف ونوى فريضته ، وإلا فدم الطواف الذي يقع بعده السعي يجب أن ينوي فرضيته بأن يكون طواف الإفاضة أو طواف القدوم بالحج أو طواف العمرة ، فإن أوقعه بعد طواف لا ينوي فرضيته كطواف الوداع أو طواف تطوع ، كمن أحرم بالحج من مكة وطاف وسعى ، فإنه يؤمر بإعادته بعد [ ص: 86 ] طواف واجب ، فإن لم يفعل حتى تباعد فعليه دم وقول المصنف ، وإلا فدم فيه مسامحة ; لأن ظاهره أنه لا يؤمر بالإعادة ، وليس كذلك ، كما تقدم في لفظ المدونة ، فإن قيل : أما طواف الإفاضة والعمرة فلا شك في فرضيتهما ; لأنهما ركنان ، أما طواف القدوم فليس بفرض ; لأنه ليس بركن ، وإنما هو واجب على الراجح ، كما تقدم ، وقد فرقوا بين الفرض والواجب في باب الحج على ما نقله ابن الجلاب وغيره ، فالجواب : أن المصنف - رحمه الله - أطلق عليه أنه فرض تبعا للفظ المدونة المتقدم أعني قوله : ولا أحب له سعيه إلا بعد طواف ينوي به طواف الفريضة ، ومعلوم أن مراده طواف القدوم وطواف الإفاضة لا غير ، وقال ابن عرفة في كلامه على طواف القدوم : وسماه فيها واجبا وفرضا وأيضا ، فإن هذا هو الجاري على قاعدة المذهب أن الفرض والواجب مترادفان ، وقد ثبت أنه واجب فيصح أن يطلق عليه فرض ، ولم يلتفت المصنف إلى ما اصطلح عليه بعض المتأخرين من التفريق بينهما في الحج

التالي السابق


الخدمات العلمية