مواهب الجليل في شرح مختصر خليل

الحطاب - محمد بن محمد بن عبد الرحمن الرعينى

صفحة جزء
قال مالك : وأكره للرجال والنساء أن يحرموا في الثوب المعصفر المفدم لانتفاضه انتهى فسوى بين الرجال والنساء ، وقال في النوادر قال مالك : النساء والرجال فيما ينهى عنه في الإحرام في المورس والمعصفر والمفدم والمزعفر سواء انتهى .

وأما المورد ففسره التونسي بالمعصفر المفدم إذا غسل وفسره اللخمي والباجي بالمعصفر غير المفدم ، وقال في التوضيح : قال مالك : وإن غسل المفدم جاز ; لأنه يصير موردا ، ثم ذكر عن الباجي أنه المصبوغ بالعصفر صبغا غير قوي قال : وهذا هو المعروف يعني في تفسير المورد قال : وقال ابن راشد : قال القاضي منذر بن سعيد : هو الذي صبغ بالورد انتهى .

. وقال ابن عرفة بعد أن ذكر في تفسير كلام اللخمي والتونسي والباجي وفي تفسير البلوطي بما صبغ بورد نظر ; لأنه طيب كالورس انتهى . والبلوطي بفتح الباء وتشديد اللام هو القاضي منذر بن سعيد ( قلت ) : وقول ابن عرفة إن المصبوغ بالورد كالمصبوغ بالورس غير ظاهر ; لأن الورس من الطيب المؤنث ، والورد من الطيب المذكر ، والظاهر أن يفصل فيه كما فصل في المصبوغ بالعصفر بين المفدم وغيره ، والله أعلم .

( الثاني ) : وقولنا إذا كان لون صبغه يشبه لون المصبوغ بالطيب احترزنا به عما يكون صباغه لا يشبه لون المصبوغ بالطيب ، فإنه لا يكره الإحرام فيه ، ولكنه خلاف الأولى ; لأن البياض أفضل لقوله عليه الصلاة والسلام { البسوا من ثيابكم البياض ، فإنها من خير ثيابكم فكفنوا فيها موتاكم } . رواه أبو داود والترمذي وقال حديث حسن صحيح وابن حبان في صحيحه وذكر صاحب الطراز هذا الحديث بلفظ خير ثيابكم البيض ألبسوها أحياءكم وكفنوا فيها موتاكم قال اللخمي : يستحب للمحرم لباس البياض ، وهو في المصبوغ على ثلاثة أوجه : جائز : إذا كان أزرق ، أو أخضر ، أو ما أشبه ذلك وممنوع : إذا كان بالورس والزعفران ، وما أشبه ذلك مما هو طيب ، فإن فعل افتدى ، ويجوز إذا كان معصفرا غير مفدم ، وكره المفدم ; لأنه ينتفض ، وقال أشهب : لا فدية فيه ، ولم يره من الطيب المؤنث انتهى . وكان القسم الثالث من المصبوغ في كلامه هو المصبوغ بالعصفر المفدم ، فجعله مكروها .

ولم ير فيه فدية كما تقدم في رواية أشهب عن مالك والله أعلم . وعلى هذا مشى صاحب الطراز ، فإنه قال : البياض أفضل في صفة الثياب للحديث ، وذكره ، ثم قال : والمصبوغ [ ص: 149 ] منه مباح ، ومنه غير مباح ، فالمباح ما لا يكون صبغه من ناحية الطيب ، فهذا يجوز للعامة ، ويكره لمن يقتدى به أن يلبس من ذلك ما فيه دلسة ، .

والأصل فيه حديث الموطإ أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه رأى على طلحة بن عبيد الله ثوبا مصبوغا ، وهو محرم فقال عمر : ما هذا الثوب المصبوغ يا طلحة فقال طلحة : يا أمير المؤمنين إنما هو مدر فقال عمر : إنكم أيها الرهط أئمة يقتدي بكم الناس فلو أن رجلا جاهلا رأى هذا الثوب لقال : إن طلحة بن عبيد الله كان يلبس الثياب المصبغة في الإحرام ، فلا تلبسوا أيها الرهط شيئا من هذه الثياب المصبغة ، وأما غير المباح فهو ما صبغ بطيب ، أو بما هو في معنى الطيب فما صبغ بطيب كان لبسه حراما .

وما صبغ بغيره مما هو مشابه للطيب كان مكروها ، وذلك يرجع في العادة إلى ثلاثة أصباغ الزعفران والورس والعصفر أما الزعفران والورس فاتفقت الأئمة على تحريمه ، وأما المعصفر ، فمنعه مالك وأبو حنيفة إذا كان نافضا وجوزه الشافعي وابن حنبل .

ولم يروه من الطيب واختلف أصحابنا في منعه هل هو منع تحريم ؟ أو كراهة ؟ أعني المفدم المشبع إذا كان ينتفض على الجسد قال في المعونة من أصحابنا من يوجب فيه الفدية فعلى هذا يكون من محظورات الإحرام ، وقال أشهب لا فدية على من لبسه من رجل ، أو امرأة ، وقد أساء ، وهذا أظهر ; لأنه لا يعد طيبا كسائر ألوان الحمرة والصفرة ، واعتبارا بما لا ينتفض ، وأبو حنيفة يراه طيبا ، ولا يوجب فيه فدية إذا لم ينتفض ; لأن الفدية عنده في الطيب إنما تجب في البدن خاصة فسقوط الفدية فيه كأنه مجمع عليه من الأولين وهم الصدر الأول انتهى .

التالي السابق


الخدمات العلمية