مواهب الجليل في شرح مختصر خليل

الحطاب - محمد بن محمد بن عبد الرحمن الرعينى

صفحة جزء
ص ( فصل وإن منعه عدو أو فتنة )

ش : قال ابن عبد السلام : وحصر العدو معلوم والفتن ما قد يجري بين المسلمين كفتنة ابن الزبير والحجاج ( فرع ) : قال التادلي : قال في تهذيب الطالب : والريح إذا تعذر على أصحاب السفن ليس يكون تعذره كحصر العدو ، وهو مثل المرض ; لأنهم يقدرون على الخروج إلى البر فيمضوا لحجهم انتهى .

ص ( أو حبس لا بحق )

ش : حكى ابن الحاجب في حبس السلطان ثلاثة أقوال : الأول أنه كالمرض ، وهو قول مالك في الموازية والثاني أنه كالعدو ، ونقله ابن بشير وثالثها : إن كان الحبس بحق فكالمرض ، وإن كان بباطل فكالعدو ، وقال في التوضيح : وهذا القول ذكره البيان عن مالك ، ولم يجعله خلافا للأول بل ساقه على أنه وفاق ، وهو اختيار ابن يونس انتهى .

وعلى هذا اعتمد المصنف هنا فجعل الحبس لا بحق كحبس العدو ، ثم ذكر بعد ذلك الحبس بحق ، وجعله كالمرض

( تنبيه ) : قال ابن عبد السلام : وظاهر كلام ابن رشد أن الظلم الموجب لتحلل المحبوس وإلحاقه بالعدو ، وهو أن يكون ظلما وعداء في ظاهر الحال ، ولا يحتاج أن يكون ظلما في نفس الأمر حتى أنه إن حبس بتهمة ظاهرة ، فهو كالمرض ، وإن كان يعلم من نفسه أنه بريء قال : وفيه عندي نظر ، وإنما كان ينبغي أن يحال المرء على ما يعلم من نفسه ; لأن الإحلال والإحرام [ ص: 196 ] من الأحكام التي بين العبد وربه ، ولا مدخل فيها للولاة فإن علم من نفسه البراءة جاز له التحلل ، ولو كان سبب التهمة ظاهرا انتهى .

وقبله في التوضيح وجعل ابن عرفة الخلاف فيمن حبس بتهمة وجعل قول ابن رشد أن من حبس ظلما بغير تهمة ، ولا سبب ، فهو كالعدو خارجا عن ذلك ، وظاهر كلام صاحب الطراز أنه يعمل على ما يعلمه من نفسه ، فإنه قال : من حبس في حق من دين ، أو قصاص لم يجز له التحلل إذ لا عذر له في حبسه إذا كان يقدر على أدائه ، وإن كان لا يقدر على أدائه ، أو حبس عدوانا ، فحكمه حكم من أحاط العدو به من سائر الأقطار ، والظاهر أنه يتحلل لما عليه من الضرر انتهى .

فتأمله ، ونص كلامه في المدونة في الحج الثاني قال ابن القاسم : كنت عند مالك سنة خمس وستين ومائة ، فسئل عن قوم اتهموا بدم ، وهم محرمون فحبسوا في المدينة فقال : لا يحلهم إلا البيت ، ولا يزالون محرمين حتى يقتلوا ، أو يخلوا فيحلوا بالبيت انتهى .

وذكر المسألة في آخر رسم حلف بطلاق امرأته من سماع ابن القاسم من كتاب الحج ، ونصها : سمعت مالكا وسئل عن محرمين خرجا إلى الحج حتى إذا كانا بالأبواء ، أو بالجحفة اتهما بقتل رجل وجد قتيلا ، فأخذا فردا إلى المدينة فحبسهما عامل المدينة قال مالك : لا يزالان محرمين حتى يطوفا بالبيت ، ويسعيا وأراهما مثل المريض قال ابن رشد : زاد في النوادر عن مالك أو يثبت عليهما ما ادعي عليهما ، فيقتلان ، وهو تمام المسألة انتهى .

( قلت ) : قد تقدم ذلك في نص المدونة ، ثم قال ابن رشد : إنما رآهما كمن حصر بمرض ; لأنهما إذا حبسا بالحكم الذي ، أوجبه الله تعالى ، فكان كالمرض الذي هو من عند الله ، ولو حبسا ظلما وعداء لكان حكمهما حكم المحصر بعدو ، ويحلان موضعهما الذي حبسا فيه ، ويحلقان ، وينحران هديا إن كان معهما ، ولا قضاء عليهما عند مالك انتهى مختصرا .

التالي السابق


الخدمات العلمية