مواهب الجليل في شرح مختصر خليل

الحطاب - محمد بن محمد بن عبد الرحمن الرعينى

صفحة جزء
. ص ( وبعزمه على ضده )

ش : قال في المدونة في كتاب النذور ، ومن قال لامرأته : أنت طالق واحدة إن لم أتزوج عليك ، فإن أراد أن لا يتزوج عليها فليطلقها طلقة ، ثم يرتجعها فتزول يمينه ، ولو ضرب أجلا كان على بر وليس له أن يحنث نفسه قبل الأجل ، وإنما يحنث إذا مضى الأجل ولم يفعل ما حلف عليه القرافي في كفاية اللبيب في كشف غوامض التهذيب قوله : ثم أراد إلى آخره هذه المسألة من مشكلات المدونة وإن الطلاق إنما يلزم بعدم التزويج ، فالطلاق المعجل لا يحل اليمين وإنما معنى هذه المسألة أنه عزم على عدم الزواج فعزمه هذا هو حنثه فتلزمه طلقة لحنثه لا أنه ينشئها والعزم على ترك الفعل كترك الفعل ، ففي الجواهر إن لم أتزوج عليك فأنت علي كظهر أمي يكون مظاهرا عند اليأس أو العزم على ترك التزويج ، فجعل لعزم يقوم مقام تعذر الفعل ، فقول الكتاب طلقها أي تسبب في طلاقها بعزمه وقبل الأجل إذا [ ص: 291 ] ضرب أجلا هو على بر ، فلا يحنث بمجرد العزم لمخالفته للبر ، وإذا كان على حنث وعزم على الحنث قوي العزم بما كان حاصلا قبله وهو الحنث وتظاهر عليه فوقع الحكم وها هنا تعارضا فالبر عكس الحنث في ذلك ، وقال في الذخيرة في مدارك الحنث والبر : السادس العزم على عدم الفعل ، وهو على حنث ، ثم ذكر كلام المدونة وبه يقيد إطلاق المصنف ، وقول الشارح يحنث بالعزم على ضد ما حلف عليه كانت يمينه على بر أو حنث غير ظاهر ، ومما يدل على أنه لا يحنث في العزم في البر ما سيأتي فيمن حلف لا كلم فلانا أنه لا يحنث بالكتابة إليه إذا لم يصل إليه الكتاب ، وكما إذا كلم شخصا يظنه المحلوف عليه فتبين أنه غيره ، ولأنه لو كان يحنث بالعزم على ضد المحلوف عليه في البر لما تصور إخراج الكفارة قبل الحنث فتأمله والله أعلم .

( تنبيه ) ما ذكره ابن غازي عن ابن رشد يفهم منه أن اليمين بالله إذا كانت على بر أنه يحنث بالعزم وليس كذلك قال في الأم فيمن قال : والله لأضربن فلانا ولم يوقت في ذلك أجلا أو وقت في ذلك أجلا قال : إذا لم يوقت فليكفر عن يمينه ، ولا يضرب فلانا ، وإن وقت في ذلك أجلا فلا يكفر حتى يمضي الأجل ; لأني سألت مالكا عن الرجل يقول لامرأته أنت طالق واحدة إن لم أتزوج عليك إلى آخر كلام المدونة المتقدم ، وليس هو أيضا مراد ابن رشد ، وإنما مراده أن اليمين بالله وإن كانت على بر فإنه يجوز فيها تقديم الكفارة ; لأن تقديم الكفارة قبل الحنث جائز على المشهور فتأمله والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية