مواهب الجليل في شرح مختصر خليل

الحطاب - محمد بن محمد بن عبد الرحمن الرعينى

صفحة جزء
ص ( وعفي عما يعسر )

ش : لما ذكر إزالة النجاسة وما تطلب إزالة النجاسة عنه شرع في ذكر المعفوات من ذلك ، وجملة ما ذكر عشرون قال في الذخيرة : قاعدة كل مأمور يشق على العباد فعله سقط الأمر به وكل منهي شق عليهم اجتنابه سقط النهي عنه والمشاق ثلاثة أقسام مشقة في المرتبة العليا فيعفى عنها كما لو كانت طهارة الحدث ، أو الخبث تذهب النفس ، أو الأعضاء فيعفى عنها إجماعا ، ومشقة في المرتبة السفلى لا يعفى عنها إجماعا كطهارة الحدث والخبث بالماء البارد في الشتاء ، ومشقة مترددة بين المرتبتين فتختلف في إلحاقها بالمرتبة العليا فتؤثر في الإسقاط أو بالمرتبة الدنيا فلا تؤثر وعلى هذه القاعدة يتخرج الخلاف في فروع هذا الفصل وبدأ المصنف بذكر ما ينفصل من جسد من عفي عنه ثم ما يصيبه من منفصل عنه من نوعه كبول المرضع ثم ما يصيبه من نوع آخر كدم البراغيث وبول فرس الغازي ثم ما يصيبه من غير الحيوان كطين المطر .

ص ( كحدث مستنكح )

ش : إطلاق الحدث على ما يستنكح مجاز فقهي ; لأن الحدث كما سيأتي في باب نواقض الوضوء هو الخارج المعتاد في الصحة وهذا رأي العراقيين الذين يجعلون بول صاحب السلس كالعدم ويشترطون في الحدث الصحة والاعتياد ، وذكر في التوضيح قولا بأن بول صاحب السلس حدث وإنما سقط عنه الوضوء لكل صلاة للمشقة ذكره في فرائض الوضوء في الكلام على النية وعلى هذا القول فإطلاق الحدث على المستنكح حقيقة والله تعالى - أعلم .

ونكره ليعم كل حدث وسواء أصاب الثوب ، أو البدن ولم يذكر المكان فأما إن أصابه في غير الصلاة فظاهر ; لأنه يمكنه أن يتحول إلى مكان طاهر . وأما إذا أصابه وهو في الصلاة فهو من [ ص: 143 ] جملة ما هو ملابس له ويعسر الاحتراز منه ودم الاستحاضة داخل في الحدث ; لأنه إذا لم يستنكح كان حيضا وهو حدث . وأما الدم الخارج من الدبر ، أو من قبل الرجل فلا يدخل في الحدث ، وذلك من قبيل الحرج بمصل والظاهر أنه يصح في المستنكح فتح الكاف وكسرها وانظر ما ضابط الحدث المستنكح هنا هل هو ما لا يجب منه الوضوء على التفصيل الآتي في نواقض الوضوء ، أو يغتفر هنا كل ما خرج على وجه السلس ، ولو كان انقطاعه أكثر من إتيانه إذا أتى في كل يوم مرة ، أو أكثر لمشقة الاحتراز منه وهذا هو الظاهر ، وقد فسر الجزولي والشيخ يوسف بن عمر الاستنكاح في باب السهو بأن يأتي في كل يوم مرة أو أكثر قالا .

وأما إذا أتى بعد يوم ، أو يومين فليس بمستنكح قال الوالد - رحمه الله تعالى - وهو الذي يظهر هنا وقد قال في التوضيح إن الأحداث المستنكحة مثل الدمل انتهى .

ومسألة الدمامل سيأتي أنه يعفى عن كل ما يسيل منها إذا لم تنك إذا تكرر ذلك وشق الاحتراز منه ، وقال في الطراز في صاحب السلس في الوجه الذي يستحب له فيه الوضوء هل يستحب له غسل فرجه قال ابن حبيب يستحب اعتبارا بالوضوء ، وقال سحنون لا يستحب اعتبارا بسائر النجاسات السائلة كالقروح وشبهها لا تغسل إلا أن تتفاحش وتخالف طهارة الحدث ; لأنها أوكد إلا أنه يستحب له نضحه إذا كان مستنكحا انتهى .

ونقله ابن ناجي فانظره وأيضا فقد قال أصحابنا العراقيون إن السلس جميعه لا ينقض الوضوء ، وكلام ابن عرفة يشعر بأن ذلك فيما لا ينقض فإنه قال ، وقول ابن شاس وعن حدث مستنكح لا أعرفه نصا لغير الكافي وقياسه على ما مر وعدم نقضه قائم .

( قلت : ) مراده بما مر مسألة الدمل وما ذكره صاحب الطراز عن سحنون وابن حبيب نص في العفو عن الحدث المستنكح فتأمله .

( فرع ) واستحب في المدونة أن يدرأ ذلك بخرقة قال سند ، ولا يجب ; لأنه يصلي بالخرقة وفيها النجاسة كما يصلي بثوبه قال سند هل يستحب تبديل الخرقة قال الإبياني يستحب له ذلك عند الصلاة ويغسلها وعلى قول سحنون لا يستحب وغسل الفرج أهون عليه من ذلك وحكى ابن ناجي - رحمه الله تعالى - عن القرافي أنه قال مذهب الإبياني لزوم الخرقة وليس في كلامه ما يدل على ذلك والله أعلم .

( فرع ) قال في الذخيرة أيضا : إذا عفي عن الأحداث في حق صاحبها عفي عنها في حق غيره لسقوط اعتبارها شرعا وقيل لا يعفى عنها في حق غيره ; لأن سبب العفو الضرورة ولم توجد في حق الغير وفائدة الخلاف صلاة صاحبها بغيره إماما ، انتهى .

فانظر كيف حكى أولا الخلاف مطلقا ثم خص فائدته بجواز إمامته فقط . وأما إمامته فهي مكروهة كما سيقوله المصنف - رحمه الله تعالى - في فضل الجماعة وحكى ذلك سند هنا عن ابن سحنون واقتصر عليه ثم قال : ولا يجوز لأحد أن يصلي بثوبه إلا إذا أيقن طهارته وإنما عفي عن النجاسة في حقه خاصة وصحت صلاة من ائتم به ; لأنها مرتبطة بصلاته وصلاته صحيحة فكذلك الصلاة المرتبطة بها انتهى .

وقال في الجواهر في كتاب الصلاة : دم البثرات وقيحها وصديدها معفو عنها في حق من وجد منه فإن أصابه من بدن غيره ففي العفو عنه قولان .

( فرع ) الحدث المستنكح والجرح بمصل والدمامل يسيل والمرأة ترضع وبول فرس الغازي بأرض الحرب . قال في الجواهر ويعفى عن قليل ذلك وكثيره ، ولا تجب إزالته إلا أن يتفاحش فيؤمر بها انتهى .

أي يؤمر بالإزالة على جهة الندب وسيأتي لفظه عند قول المصنف وأثر دمل لم ينك . وقال ابن معلى في منسكه إذا كثر وجب غسله ويستحب غسله مع عدم الكثرة وهو غريب .

( فرع ) إذا برئ صاحب السلس فلا يعفى عما كان في ثوبه على ما نقله ابن عرفة عن شيخه ابن جماعة في الكلام على طين المطر .

ص ( وبلل باسور )

ش : قال عياض : الباسور [ ص: 144 ] بالباء الموحدة وهو وجع المقعدة وتورمها من داخل وخرج الثآليل هناك وهو أعجمي . قال الزبيدي : وأما بالنون فهو عربي وهو انفتاح عروق المقعدة وجريان مادتها . قال أبو الحسن وفي الحديث كان يستنجي بالماء ويكون هو شفاء من الباسور فيروى بالباء والنون . وذكره ابن ناجي وظاهر كلامهم أنه عن عياض ولعله في غير التنبيهات ، أو سقط من النسخ التي رأيت . قال ابن الإمام : والظاهر أن المذهب لم يختلف في نجاسة بلة الباسور . وخرجه سند على الخلاف في بلة فرج المرأة . قال ابن الإمام : وفيه نظر ; لأن الخارج هنا هو ما اجتمع في العضو من مدة فهو مثل ما اجتمع في الدمل انتهى .

( قلت : ) ما ذكره عن سند صحيح لكنه إنما قاله على جهة البحث ، وقال في آخر كلامه لكن الأمر على ما ذكرناه أولا والمكان نجس بما يلقاه من نجاسة الخارج فتنجس اليد بذلك انتهى .

التالي السابق


الخدمات العلمية