مواهب الجليل في شرح مختصر خليل

الحطاب - محمد بن محمد بن عبد الرحمن الرعينى

صفحة جزء
[ ص: 403 ] ص ( فصل ندب لمحتاج ذي أهبة نكاح بكر )

ش : النكاح حقيقة التداخل ، ويطلق في الشرع على العقد والوطء وأكثر استعماله في العقد والصحيح أنه لا يطلق على الصداق ، وقيل : ورد بمعنى الصداق في قوله { وليستعفف الذين لا يجدون نكاحا } ابن راشد : ولا خلاف أنه حقيقة في الوطء عند أهل اللغة ، وأما إطلاقه على العقد فقيل : حقيقة والصحيح أنه مجاز وعليه فقيل : مجاز مساو وقيل : راجح وهو الصحيح انتهى بالمعنى من التوضيح .

ويقال : كل نكاح في كتاب الله فالمراد به العقد إلا قوله { حتى تنكح زوجا غيره } قال في الذخيرة وكأنه يريد المتفق عليه وإلا فقيل : في قوله تعالى { الزاني لا ينكح إلا زانية } المراد الوطء وكما قاله في التوضيح وقال ابن عرفة : النكاح عقد على مجرد متعة التلذذ بآدمية غير موجب قيمتها ببينة قبله غير عالم عاقده حرمتها إن حرمها الكتاب على المشهور ، أو الإجماع على الآخر ، فيخرج عقد تحليل الأمة وإن وقع ببينة ، ويدخل نكاح الخصي والطاريين ; لأنه ببينة صدقا فيها ولا يبطل ، عكسه نكاح من ادعاه بعد ثبوت وطئه بشاهد واحد ، أو فشو بنائه باسم النكاح لقول ابن رشد : عدم حده للشبهة لا لثبوت نكاحه انتهى .

والمحتاج إلى النكاح هو الذي تتوق نفسه إليه وإن عدم آلته كالخصي ، والأهبة العدة والمؤنة ، والمراد بها هنا مؤن النكاح من مهر وغيره وهو المراد بقوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه الشيخان { يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء } فقوله : من استطاع منكم الباءة يريد المال الموصل للوطء ، وليس المراد الوطء ; وإلا لفسد قوله ومن لم يستطع فعليه بالصوم والباءة بالباء الموحدة والمد والهمزة وآخره تاء تأنيث هو النكاح ، والمراد به مؤن النكاح فهي على حذف مضاف قال القاضي عياض في المشارق قوله عليكم بالباءة ممدود مهموز آخره تاء ويقال : له بالمد وبغير مد ويقال : له أيضا الباه بالقصر والمد والباهة بتاء بعد الهاء هو النكاح ويسمى به الجماع وأصله أن من تزوج تبوأ لنفسه وزوجه بيتا فعلى هذا أصله من الواو لا من المهموز الأصلي انتهى .

وقوله : " وجاء " بكسر الواو والمد قال في المشارق : وهو نوع من الخصاء قيل : هو رض الأنثيين ، وقيل : هو غمز عروقهما والخصاء هو شق الخصيتين واستئصالهما والجب قطع ذلك بشفرة محماة من أصله شبه ما يقطع الصوم من النكاح ويكسر من غلمته بذلك إذا صنع بالفحل انقطع ذلك عنه انتهى .

واعلم أن الصوم يقطع النكاح لإضعافه القوة وتخفيفه الرطوبة التي يتولد منها المني وقد يزيد في النكاح في حق المرطوبين فيقربون به من الاعتدال فيقوى عندهم بالصوم لكنه قليل في الناس قاله في الذخيرة ولم يذكر المصنف إلا القسم المندوب وقيده بأن يكون محتاجا للنكاح ذا أهبة ولا بد أن يقيد أيضا بأن لا يخشى العنت قال اللخمي : وإن كان له إرب في النساء إلا أنه يقدر على التعفف ، أو كان لا إرب له ويصح منه النسل كان مندوبا انتهى .

قال في الشامل : تعين لخوف عنت وعدم إمكان تسر نكاح لم يكفه صوم وخير فيه ، وفي تسر قدر عليه ، فإن كفه الصوم خير فيه وفي أحد الثلاثة والنكاح أولى انتهى .

قال اللخمي وقد يبدأ بالصوم على النكاح إذا كان لا يقدر على التسري ولا يجد طولا لنكاح الحرة ; لأن في تزويجه الأمة إرقاق ولده انتهى .

فإن كان لا يقدر على نكاح الأمة أيضا فيتعين عليه الصوم ; لأنه سيأتي أنه يمنع إذا لم يقدر على نفقة المرأة ، ثم قال في الشامل وأبيح لمن لا يولد له ولا يرغب في النساء انتهى .

قال اللخمي : إذا كان لا إرب له في النساء ولا يرجو نسلا ; لأنه حصور ، أو خصي ومجبوب ، أو شيخ فان ، أو عقيم قد علم ذلك من نفسه كان مباحا انتهى .

ويقيد هذا بما إذا لم يقطعه عن عبادته كما سيأتي وأن تعلم المرأة منه كونه حصورا ، أو خصيا [ ص: 404 ] أو مجبوبا ; لأنه سيأتي أنه يحرم عليه إذا كان يضر بالمرأة لعدم الوطء ، وأما العقم فالظاهر أنه لا يجب إخبارها به ; لأنه ليس بعيب يوجب الخيار ; ولأنه لا يقطع به فلعله يولد له من هذه وإن لم يولد له من غيرها والله أعلم ، ثم قال في الشامل : وكره لمن لا يشتهيه ويقطعه عن عبادته انتهى من ابن عرفة عن المازري فإن لم يقطعه فقد يقال : يندب إليه وقد يقال : يباح انتهى والظاهر أنه يفصل فيه على ما تقدم فإن كان يرجى النسل كان مندوبا وإن لم يرجه كان مباحا على ما تقدم ، ثم قال في الشامل بعد ذكره هذه الأقسام : وكذلك المرأة إلا في التسري انتهى .

، وقال ابن عرفة ( قلت ) ويوجب النكاح على المرأة عجزها عن قوتها ، أو سترتها إلا بالنكاح انتهى ، ثم قال في الشامل ومنع لمضر بالمرأة لعدم نفقة ، أو وطء ، أو كسب محرم ولم يخش عنتا انتهى ، ومفهومه أنه لو خشي العنت أنه يتزوج ولو كان عادما للنفقة ونحوها والظاهر أنه يجب عليه أن يبين لها ذلك والله أعلم .

( تنبيه ) قول المصنف " بكر " ليس قيدا في كون النكاح مستحبا ، بل هو مستحب آخر فلو قال : ندب نكاح وبكر لكان أوضح ولهذا قال ابن غازي في بعض النسخ : نكاح وبكر تصريحا بأنهما مندوبان وهو المقصود على كل حال قال في العارضة : ولو لم يكن في البكر إلا أن كلما فعلته ترى أنه المقصود المحبب فإذا كانت ثيبا قرنت فعلك مع ما تقدم معها من فعل غيرك وفاضلت بينكما فرفضتك لو علمتك إلى غير ذلك مما يطول انتهى ويستحب نكاح الولود ; للحديث قال في النوادر ورغب صلى الله عليه وسلم في نكاح الولود وقالت عائشة بنت الخمسين لا تلد وقال عمر بنت عشر سنين تسر الناظرين ، وبنت عشرين لذة للمعانقين وبنت ثلاثين ذات شحم ولين وبنت أربعين ذات بنات وبنين وبنت خمسين عجوز في الغابرين انتهى .

، وقال في رسم الجامع من سماع أصبغ من كتاب الجامع ابن القاسم يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم { لا تنكح المرأة لجمالها ولا لمالها فلعل جمالها لا يأتي بخير ولعل مالها لا يأتي بخير وعليكم بذوات الدين فاتبعوهن حيثما كن } انتهى .

( فائدة ) قال البرزلي وفي طرر ابن عات حديث { من يمن المرأة تبكيرها بالبنت } ذكره خالد ابن سعيد في نوادره وهو قول لمحمد بن لبابة وكان من أهل الحديث والمعرفة بطرقه وبالرجال أوحد في ذلك الفن لا نظير له .

( قلت ) تقدم لنا أن فيها معنى الفرج بعد الشدة كما في تأويل الرؤيا وفيه دليل على غبطة المرأة بزوجها ومحبتها له والله أعلم انتهى

التالي السابق


الخدمات العلمية