مواهب الجليل في شرح مختصر خليل

الحطاب - محمد بن محمد بن عبد الرحمن الرعينى

صفحة جزء
ص ( وأثر دمل لم ينكأ )

ش : يعني أنه يعفى عما يصيب الثوب والجسد من أثر الدمل من دم وقيح وصديد إذا لم ينكأ وإنما سالت بنفسها قال في المدونة وكل قرحة إن تركها صاحبها لم تسل ، وإن نكأها سالت فما خرج من هذه من دم أو غيره وأصاب ثوبه ، أو جسده غسله ، وإن كان في صلاة قطعها ولا يبني إلا في الرعاف إلا أن يخرج منه الشيء اليسير فيفتله ، ولا ينصرف ، وإن كانت لا تكف وتمصل من غير أن تنكأ فليصل وليدرأها بخرقة ، ولا يقطع لذلك [ ص: 157 ] ولا يغسل منه الثوب إذا أصابه ، ولا بأس أن يصلي به إلا أن يتفاحش فيستحب له غسله والقيح والصديد مثل الدمل ، وقوله نكأها بالهمز أي قشرها قاله عياض والظاهر من كلامهم أن المراد أنها لم تنكأ عند خروج الدم ونحوه منها ، وإن كانت شتت قبل ذلك وأنه إنما ينظر إلى حالها عند خروج المادة منها ، وإن كانت تسيل منها بنفسها من غير أن تقشر فيعفى عنها وإلا فلا ومما يدل على ذلك أنهم ساووا بين أثر الدمل وأثر الجرح والجرح إنما يكون بشق الجلد قال ابن عبد السلام : وهذا - والله أعلم - في الدمل الواحدة . وأما إذا كثرت كالجرب فإنه مضطر إلى نكئها انتهى .

ونقله في التوضيح وقبله ، وقال ابن ناجي - رحمه الله تعالى - : وما زال شيخنا يقول ليس مختصا به بل سبقه إليه عياض ولم أجده انتهى .

( قلت : ) ذكره الشيخ أبو الحسن ونصه الحكة وما يكون من الدمامل والقروح بمنزلة القرحة التي لا تكف ، وإن كان دم ذلك إنما يسيل بالحك لكن لا يستطيع من به ذلك ترك الحك وتركه عليه مشقة انتهى .

( تنبيهان الأول ) ظاهر كلامه أن الدمل إذا لم تنكأ يعفى عن أثرها مطلقا سواء كان ما يخرج منها متصلا ، أو مرة بعد مرة ويمكن الاحتراز منه أم لا . وعلى ذلك حمله الشارح وهو ظاهر كلام ابن الحاجب الأول فإنه قال : وعفي عما يعسر كالجرح يمصل والدمل في الثوب والجسد بخلاف ما ينكأ فإنه يغسل وظاهر كلامه ثانيا قبل الكلام على الرعاف أنه إنما يعفى عن أثرها إذا لم تنكأ قال : ولو سالت قرحته أو نكأها تمادى إلا أن يكون كثيرا إلا أن تمصل بنفسها ، ولا تكف فيدرؤها بخرقة قال في التوضيح ظاهر كلامه أنه يتمادى إذا مصلت بنفسها بشرط أن لا تكف .

وأما لو رجا الكف لقطع ، وإن سالت بنفسها وهذا كما قال في المدونة وذكر لفظها المتقدم ، وقال الباجي : خروج الدم من الجرح على وجهين أحدهما أن يكون خروجه متصلا غير منقطع فعلى المجروح أن يصلي على حالته ، ولا تبطل بذلك صلاته ; لأنها نجاسة لا يمكنه التوقي منها وليس عليه غسلها إلا إذا كثرت وتفاحشت فإنه يستحب له غسلها والثاني أن لا يتصل خروجه وأمكن التوقي من نجاسته ودمه فإن انبعثت في الصلاة بفعل المصلي ، أو بغير فعله فإنه يقطع الصلاة لنجاسة جسمه وثوبه فليغسل ما به الدم ثم يستأنف الصلاة ; لأن هذه نجاسة يمكن التوقي منها للصلاة انتهى .

وهو ظاهر كلام صاحب الطراز ، وقال ابن عرفة : وعفي عما يشق . وفيها لا يغسل دم قرحة تسيل دون إنكاء ومتفاحشه يستحب غسله . الباجي إن لم يتصل سيله وأمكن التوقي منه قطع له الصلاة ، ولو سال بنفسه انتهى .

وقال ابن عبد السلام - رحمه الله تعالى - في شرح كلام ابن الحاجب الثاني : ظاهر كلامه أنه لا يتمادى إلا بشرط أن لا ينكف . وأما لو كان كثيرا ورجا الكف لقطع ، وإن سالت بنفسها وهو بعيد انتهى .

فكلام ابن عبد السلام هذا موافق لظاهر المصنف لكنه مخالف لما تقدم وينبغي أن لا يحمل ذلك على الخلاف فيحمل كلام المصنف وكلام ابن الحاجب على الأول على ما إذا عسر الاحتراز منه سواء اتصل ، أو كان وقتا بعد وقت ولم ينضبط وتكرر وشق الاحتراز منه ، وبه يفسر قوله في المدونة : لا تكف وتمصل . وقول الباجي : أحدهما أن يكون خروجه متصلا أي متكررا بحيث يشق الاحتراز منه ، ويحمل قول الباجي الثاني أن لا يتصل خروجه على ما إذا كان خروج ذلك مرة واحدة ، أو تكرر ولم يشق الاحتراز منه كما لو خرج بعد يوم ، أو يومين مرة ، ويرشد إلى هذا قوله وأمكن التوقي من نجاسته ، وقد قال في المسألة الحادية عشر من سماع أشهب من كتاب الصلاة في الدمل ينفقع وهو في الصلاة : إنه إن كان يسيرا فليصل ، وإن كان كثيرا فلينصرف وقبله ابن رشد .

وحاصله أنه بقي على الباجي قسم ثالث وهو ما إذا لم يتصل خروجه ولم يمكن التوقي منه لتكرره في كل يوم ، أو مرتين [ ص: 158 ] في اليوم خصوصا إذا لم ينضبط وقت خروجه فيتعارض فيه مفهوما كلامه الأول والثاني لكن يترجح العمل بالمفهوم الثاني ; لأن أصل الباب أن كل ما شق الاحتراز منه يعفى عنه وقد تقدم أن صاحب السلس في الوجه الذي يستحب له الوضوء منه اختلف هل يستحب له غسل فرجه منه أم لا ؟ وتقدم في كلام صاحب الطراز في توجيه قول سحنون إنه لا يستحب غسل فرجه أن ذلك اعتبارا بسائر النجاسات السائلة كالقروح وشبهها لا تغسل إلا أن تتفاحش ، وقال في الجواهر القسم الأول من النجاسات ما يعفى عن قليله وكثيره ، ولا يجب أن يتفاحش جدا فيؤمر بها وهذا القسم هو في كل نجاسة لا يمكن الاحتراز منها ، أو يمكن لمشقة كبرى كالجرح يمصل والدم يسيل والمرأة ترضع والأحداث تستنكح والغازي يضطر إلى إمساك فرسه ، وخص مالك هذا ببلد الحرب ويرجح في بلاد الإسلام انتهى .

وقد أطلت في هذه المسألة ; لأنها محتاج إليها فتأمل ذلك منصفا .

( الثاني ) قوله في المدونة وليدرأها بخرقة قال ابن ناجي استحبابا والله - تعالى - أعلم .

ص ( وندب إن تفاحش كدم براغيث إلا في صلاة ) . ش يعني أن الدمل والجرح إذا كانا يمصلان بأنفسهما يعفى عما يخرج منهما ، ولا يجب غسله ، ولا يستحب إلا إذا تفاحش فيستحب غسله كما يستحب غسل دم البراغيث إذا تفاحش إلا أن يتفاحش أثر الدمل والجرح وهو في الصلاة فلا يقطعها ، أو لم ير ذلك إلا في الصلاة فإنه لا يقطعها ، وكذلك دم البراغيث لا تقطع له الصلاة وحكى صاحب العمدة قولين إذا تفاحش دم البراغيث بالوجوب والاستحباب ، والله - تعالى - أعلم .

( تنبيهات الأول ) قال ابن ناجي اختلف في حد التفاحش فقيل : ما يستحيا به في المجالس من الناس ، وقيل : ما له رائحة ، نقلهما التادلي انتهى .

( قلت : ) ولم يجعل ذلك صاحب الطراز خلافا ونصه : وما حد التفاحش ؟ قال ربيعة : في الشيء الملازم مثل الجرح يمصل وأثر البراغيث إذا تفاحش منظر ذلك ، أو تغير ريحه فاغسله وهذا حسن ; لأنه إذا صار إلى هذه الحالة لا يقبل صاحبه ، ولا يقرب إلا بتقذر وتكره انتهى .

( الثاني ) قال ابن ناجي في شرح المدونة : ألحق صاحب الحلل بدم البراغيث دم البق والقمل وظاهر المذهب خلافه ; لأن الكثرة منهما تتقذر انتهى .

( الثالث ) ظاهر كلام المصنف أن دم البراغيث متى تفاحش يغسل وإن لم يكن نادرا بل في زمن هيجانه وهو ظاهر المدونة ، قال ابن ناجي : وهو كذلك على ظاهر كلام الأكثر ، وقال ابن الحاجب وعن دم البراغيث غير المتفاحش النادر ومثله لابن شاس فجعلا أنه إذا كان في زمن هيجانه معفو ، وإن تفاحش انتهى .

( قلت : ) وقال المصنف - رحمه الله تعالى - في التوضيح : أكثر الناس لم يذكروا القيد الأخير .

( فائدة ) قال ابن ناجي - رحمه الله تعالى - في شرح الرسالة والمدونة : ثمانية أثواب لا يؤمر بغسلها إلا مع التفاحش : ثوب دم البراغيث والمرضع وصاحب السلس وصاحب البواسير والجرح السائل والقرحة وثوب الغازي الذي يمسك فرسه في الجهاد وثوب المتعيش في سفره بالدواب نقله الباجي انتهى .

التالي السابق


الخدمات العلمية