مواهب الجليل في شرح مختصر خليل

الحطاب - محمد بن محمد بن عبد الرحمن الرعينى

صفحة جزء
( الرابع ) قال ابن عبد السلام وانظر إذا اقتصر على مسح بعضه على قول من يراه كافيا فهل يشترط أن يكون الممسوح مما يحاذي الرأس إذا كان الشعر طويلا ؟ فإن كان فهو حجة لمن يذهب إلى سقوط مسح ما استدلى من الشعر على الرأس قال ابن ناجي : ظاهر كلامهم أنه لا يشترط ; لأن المشهور من المذهب مسح ما طال من الشعر .

( قلت ) هذا الرد ضعيف ; لأن بحثه إنما هو على غير المشهور فتأمله والله تعالى أعلم .

( الخامس ) قال في الرسالة في صفة مسح الرأس ثم يأخذ الماء بيده اليمنى فيفرغه على باطن يده اليسرى قال الشيخ زروق : يعني ويرسلهما حتى لا يبقى فيهما إلا القليل وإن شاء غمسهما في الماء ثم رفعهما لكن اختيار ابن القاسم الأول واختيار مالك الأخير استحبابا فيهما انتهى .

( السادس ) اختلف إذا جف البلل من يده قبل استيعابه فقيل : إنه يجدد ، وقال مالك في المجموعة : قد يكثر الماء فيكفي المسبحة الواحدة وقد يقل فتكون اثنين وذكره ابن حبيب عن مالك في مسح المرأة رأسها وقيل : إنه لا يجدد وقاله القاضي إسماعيل ، وهو ظاهر قول ابن القاسم في سماع موسى أن مسحه بأصبع واحدة أجزأه ، وعن اللخمي وابن عرفة الأول لسماع أشهب وليس فيه ، وإنما ذكره صاحب الطراز عن المجموعة وقال ابن عرفة : قيد عبد الحق إجزاء الأصبع بتكرار إدخالها في الماء ، زاد ابن ناجي وأطلقه اللخمي .

( قلت ) سبق عبد الحق بالتقييد المذكور صاحب النوادر قال بعد ذكره رواية العتبية : لعله يريد تكرر بلل أصبعه بالماء ، وكذا ابن رشد في السماع المذكور ونصه : يريد أن ذلك يجزئه إن فعل ولا يؤمر بذلك ابتداء ; لأن السنة في صفة مسح الرأس على ما جاء في حديث عبد الله بن زيد وفي كلام صاحب الطراز ترجيح للقول الأول قال : لأن الأصل فيما يجب تطهيره بالماء أن يصل الماء إلى المحل ، ويفارق مسح الخف من حيث إن الرأس هو المطهر بالماء والخف ليس هو المطهر وإنما المطهر الرجل فلا معنى لإيصال الماء إلى محل لا يتطهر ، لكن شرع نقل الماء فيه ابتداء ولأن مسح الرأس له تأكيد الأصلية ومسح الخف له تخفيف البدلية ولأن الماء يفسده والله تعالى أعلم . ويأتي الكلام على كيفية نقل الماء وحكمه إذا مسحه ببلل لحيته وذراعيه في الدلك .

( السابع ) لم يذكر المصنف مبدأ المسح اكتفاء بما ذكره في الوجه فإن منابت شعر الرأس مبدأ للوجه وللرأس قال ابن الحاجب : ومبدؤه من عند الوجه الثاني . قال ابن ناجي في شرح قول المدونة وفي أول كتاب الطهارة : ويمسح الرأس إلخ ظاهر المدونة أنه لا يأخذ شيئا من الوجه وهو أحد قولي المتأخرين وهو من باب ما لا يتم الواجب إلا به ، هل هو واجب أم لا ؟ وتقدم الكلام على ذلك في غسل الوجه ونقله الجزولي وعن ابن العربي وظاهر كلام غيره أن أخذ شيء منه هو المذهب وهو الظاهر والله تعالى أعلم .

ص ( بعظم صدغيه مع المسترخي )

ش : ما ذكره هو حد الرأس عرضا والباء بمعنى مع ، يعني أنه يمسح على الجمجمة مع ما على عظمات صدغيه مع ما استرخى من الشعر وطال ولو نزل عن حد الرأس ، وتقدم أن الصدغ هو ما بين العين والأذن وأن ما كان عنه فوق العظم الناتئ على العارضين ولم يكن داخلا في منابت شعر الرأس المعتاد فهو من الرأس فيدخل في ذلك النزعتان وموضع [ ص: 205 ] التحذيف ، قال في النوادر وشعر الصدغين من الرأس قال الباجي : يريد ما لم يكن داخلا في دور الوجه وقال اللخمي : ويمسح النزعتين وما ارتفع إلى الرأس من شعر الصدغين ويمسح البياض الذي بين الأذن وشعر الرأس انتهى . وقال ابن فرحون : يمسح البياض الذي بين الأذن وشعر الرأس خلف الأذن ، ومتى تركه فقد ترك جزءا من الرأس انتهى . وما ذكره من مسح شعر المسترخي عن حد الرأس هو المشهور وهو مذهب المدونة قال فيها : وتمسح المرأة على رأسها كالرجل وتمسح على المسترخي من شعرها نحو الدلالين ، وكذلك الطويل الشعر من الرجال ، والدلالين تثنية دلال هو ما استرخى من الشعر قال عياض هو بفتح الدال المهملة وقيل : لا يجب مسح ما استرخى عن حد الرأس ، وعزاه ابن ناجي لأبي الفرج وابن عرفة للأبهري وابن رشد في سماع سحنون لظاهر ما في سماع موسى بن معاوية عن ابن القاسم عن مالك ، ووجهه أن شعر الرأس ليس برأس .

قال : والأول أظهر وأشهر وهو معلوم من مذهب مالك وأصحابه في المدونة وغيرها والدليل عليه من جهة النظر أن شعر الرأس لما نبت فيه وجب أن يحكم له بحكمه كما أن ما نبت في الحرم يحكم له بحكم الحرم وإن طال وخرج عنه إلى الحل .

( تنبيه ) قال صاحب الطراز : إذا قلنا لا يجب مسح المنسدل فهل يسن ذلك أم لا ؟ قوله في العتبية إنما عليها أن تمسح إلى قفاها يحتمل أنها لا تؤمر بغير ذلك ويحتمل أن يريد أنه لا يجب ويكون مستحبا ; لأنه يحصل باستيعابه كمال الإيعاب ويخرج بذلك من شبهة الخلاف ( قلت ) والظاهر الاستحباب ; لأن الخروج من الخلاف مطلوب .

( تنبيه ) قال ابن ناجي عن بعضهم : إنه عارض مذهب المدونة بقوله في الضحايا لا بأس بصيد طائر على غصن أصله في الحرم فلم يحكم للفرع بحكم الأصل ورده ابن ناجي بأن وزان ما طال من الشعر طرف الغصن لا الطائر والله تعالى أعلم .

ص ( ولا ينقض ضفره رجل ولا امرأة )

ش : الضفر بفتح الضاد المعجمة فتل الشعر بعضه ببعض والعقص بفتح العين جمع ما ضفر منه قرونا صغارا من كل جانب قاله في التنبيهات وهو مصدر عقص شعره يعقصه عقصا ، قال النووي قال أبو عبيد العقص ضرب من الضفر وهو أن يلوي الشعر على الرأس ، وقال الليث هو أن تأخذ المرأة كل خصلة من شعرها فتلويها ثم تعقدها فيبقى فيها التواء ثم ترسلها فكل خصلة عقيصة وربما اتخذت المرأة عقيصة من شعر غيرها وقال ابن سيده : عقصت شعرها شدته في قفاها ولا يقال للرجل : عقيصة ونقله ابن فرحون قال في تقييد أبي الحسن الطنجي العقص أن تجمع ضفره وتربطه بخيط والضفر أن تربط بعضه ببعض ونقل صاحب الجمع عن ابن هارون أن العقص جمع عقاص قال : وهو أن تجمع المرأة ما تضفره من شعرها إلى خلفها قال في المدونة : وإن كان شعرها معقوصا مسحت على ضفرها ولا تنقض شعرها قال في الطراز : لأن موضع المسح التخفيف وفي نقض الشعر عند كل وضوء أعظم مشقة ولأن العقاص إنما يكون في القفا فأمره خفيف ; لأن الوضوء يأتي عليه المسح وما انسدل من الشعر عن القفا اختلف فيه فإذا كان معقوصا ومر المسح على ما ظهر من العقاص فهو يعد ممسوحا مع خفة أمره ، وقال في الذخيرة : قال في الكتاب : تمسح المرأة على وجه شعرها المعقوص والضفائر من غير نقض وقال ابن الحاجب : ولا تنقض عقاصها ، والضمير في قول المصنف : ضفره عائد إلى ما بعده ; لأنه وإن كان متأخرا في اللفظ فهو مقدم في الرتبة ; لأنه فاعل وقال الشارح في الصغير : إنه يعود إلى الشعر والأول أحسن .

( تنبيهات الأول ) عبارة المدونة والرسالة وابن الحاجب أحسن من عبارة المصنف ; لأنه إذا لم يلزم حل العقاص لم يلزم حل الضفر من باب أولى ولا يلزم من عدم نقض الضفر عدم نقض العقص ; لأن [ ص: 206 ] العقص كما تقدم عن التنبيهات هو جمع ما ضفر منه فتأمله فإن قيل : ليس في كلامه في المدونة أنها تمسح على عقاصها فالجواب أن ذلك يستفاد من قولها ولا تنقض شعرها وقد نسب في الذخيرة للمدونة أنها تمسح على الشعر المعقوص .

( الثاني ) قال في التوضيح : والعقيصة التي يجوز المسح عليها ما تكون بخيط يسير وأما لو كثر لم يجز ; لأنه حينئذ حائل قال الباجي وكذلك لو كثرت شعرها بصوف أو شعر لم يجز أن تمسح عليه ; لأنه مانع من الاستيعاب انتهى . وما ذكره عن الباجي أصله لابن حبيب في الواضحة قال : وإن كانت قرون شعرها من شعر غيرها أو من صوف أسود كثرت به شعرها لم يجزها المسح عليه حتى تنزعه إذا لم يصل الماء إلى شعرها من أجله ، وفيه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { لعن الله الواصلة والمستوصلة } ونقله عنه صاحب النوادر وصاحب الطراز وابن عرفة وابن فرحون وغيرهم وقبلوه وهو ظاهر قال صاحب الطراز : وإذا كان ما كثرت به مربوطا عند القفا أو نازلا عنه دخل في الاختلاف في مسح ما انسدل . وقال الشيخ يوسف بن عمر في شرح الرسالة : قال بعض الشيوخ : هذا إذا كان عقاصها مثل عقاص العرب تفتله ضفائر صغارا وتربطه بالخيط والخيطين ، وأما إن فتلته على ناحيتين وأكثرت عليه الخيوط فلا بد من حله وإن مسحت عليه لم يجزها إلا على قول من يرى جواز مسح بعض الرأس ، ونحوه للجزولي .

( قلت ) وهذا - والله أعلم - إذا كان ما كثرت به شعرها ظاهرا فوق الشعر فأما إذا كان في مستبطن الشعر فلا يضر كما سيأتي عن صاحب الطراز في مسألة الحناء إن شاء الله تعالى . ووصل الشعر حرام لا يجوز والرجال والنساء في ذلك سواء كما نقله ابن ناجي وهذا إذا وصل بما يشبه الشعر ، وأما خيط الحرير الذي لا يشبه الشعر فغير منهي عنه ; لأنه ليس بوصل ولا قصد به الوصل وإنما المراد به التجمل والتحسين نقله ابن ناجي عن الإكمال والله تعالى أعلم .

( الثالث ) قال ابن فرحون في شرح قول ابن الحاجب هنا في مسح الرأس في الوضوء ولا تنقض عقصها : يعني ولكن تسقيه الماء وتضغثه بيدها ضغثا حتى يعلم أن الماء قد داخل الشعر وبل البشرة . وهذا سهو ظاهر سرى ذهنه - رحمه الله تعالى - إلى الغسل وهو بين والله تعالى أعلم .

( الرابع ) قال صاحب الطراز : فلو رفعت الضفائر من أجناب الرأس وعقصت الشعر في وسط الرأس وهو لو ترك انسدل عن الرأس فالظاهر أنه لا يجزئه مسحه ; لأنه حائل دون ما يجب مسحه . قال بعض أصحاب الشافعي هو كالعمامة لا يجوز المسح عليه ونقله في الذخيرة وقبله وهو ظاهر والله تعالى أعلم .

( الخامس ) قال في المدونة : وإن كان على الرأس حناء فلا تمسح حتى تنزعه فتمسح على الشعر . قال في الطراز : إن جعل الحناء للضرورة والتداوي من حر وشبهه جاز ولا يجب نزعه كالقرطاس على الصدغ وإن كان لغير ضرورة ماسة وهي صورة مسألة الكتاب لم يجزه أن يمسح عليه ; لأنه يمنع إيصال المسح للرأس كالثوب انتهى . وقال ابن فرحون قال اللخمي إذا كانت على رأسه حناء وكانت لضرورة فهي كالدهن يمسح عليها كالحائل وإن كانت لغير ضرورة فلا ، وإن كانت على بعضه فإن كانت لضرورة مسح على الجميع ، وإن كانت لغير ضرورة فإنه يمسح على ما بقي على قول من الأقوال في القدر المجزئ ، ولا يجزيه عند مالك إلا إذا كان الجميع .

( قلت ) قوله : إن كان التداوي فلا ينزعه يريد إذا خاف بنزعه ضررا فإن كان الحناء على بعض الرأس وهو لضرورة مسح على بعض الرأس وعلى الحناء ، وإن كان لغير ضرورة نزعه ، فإن مسح على الحناء وكان على جميع الرأس لم يجزه وذلك واضح وإن كان على بعضه جرى على الخلاف في الاقتصار على بعض الرأس قاله ابن ناجي وذكر الشيخ زروق عن شيخه القوري أنه قال إني لأفتي النساء بالمسح على الحناء [ ص: 207 ] لأنا إذا منعناهم منه تركن الصلاة وإذا دار الأمر بين ترك الصلاة وبين فعلها جرى على الخلاف فارتكاب الأخف أولى فانظر في ذلك انتهى .

( قلت ) يشير بالخلاف إلى قول الإمام أحمد بن حنبل وداود والثوري والأوزاعي بجواز المسح على العمامة في الفرع الآتي بعده .

( السادس ) قال في المدونة : ولا تمسح على خمارها ولا غيره فإن فعلت أعادت الوضوء والصلاة . قال في الطراز : يريد إذا أمكنها المسح على رأسها وهذا قول مالك والشافعي وأبي حنيفة وقال ابن حنبل يجوز المسح على العمامة والخمار اختيارا وهو مذهب داود والثوري والأوزاعي واشترط ابن حنبل أن يلبس ذلك على طهارة ، واشترط بعض أصحابه أن تكون العمامة تحت الحنك يريد - والله أعلم - لأن ذلك من سنتها ، وذهب بعضهم إلى الجواز إذا مسح بعض الرأس ومتعلقهم ما رواه مسلم والنسائي أنه عليه الصلاة والسلام { مسح على الخفين والخمار } وما في أبي داود أنه { مسح على العمامة } وفي بعض الروايات في مسلم { أنه مسح بمقدم رأسه وعلى العمامة } قال : وحجتنا قوله تعالى { وامسحوا برءوسكم } والعمامة لا تسمى رأسا ، وقال سيبويه الباء للتأكيد كأنه قال امسحوا رءوسكم نفسها وقوله عليه الصلاة والسلام { لا تتم صلاة أحدكم حتى يسبغ الوضوء كما أمره الله تعالى فيغسل وجهه ويديه إلى المرافق ويمسح برأسه } الحديث والحديث الصحيح أنه عليه الصلاة والسلام { توضأ مرة مرة وقال : هذا وضوء لا تقبل الصلاة إلا به } وكان قد مسح رأسه فيه ; لأنه لو كان مسح على العمامة فيه لكان مسحها شرطا ولا قائل به وروى مالك في الموطإ عن جابر أنه سئل عن المسح على العمامة فقال : لا ، حتى تمسح الشعر بالماء ولم يعرف لذلك نكير والقياس على الوجه واليدين وما رواه محمول على أنه كان لعذر فإن مسحت على الخمار من غير عذر أعادت الصلاة ، وروى ابن وهب عن مالك أنها تعيد الوضوء قال سحنون : لأنها متعمدة . يريد أنها لم تكن تركته سهوا وإنما فعلته جهلا والجاهل والعامد سواء .

( قلت ) وقوله في المدونة : أعادت الوضوء لا إشكال في ذلك إن كانت عامدة وكذا إن كانت جاهلة ; لأن الجاهل كالعامد على المشهور وقال بعضهم : إنه كالساهي ، وأما إن كانت ساهية فتمسح على رأسها فقط والصلاة باطلة في الوجوه كلها وأما إن علمت بذلك قبل الصلاة فإن كانت ساهية مسحت رأسها متى ما ذكرت وأعادت غسل رجليها إن كان ذلك بالقرب ، وحده جفاف الأعضاء المعتدلة في الزمن المعتدل كما سيأتي ، فإن كانت عامدة أو جاهلة فإن كان ذلك بالقرب جدا فإنها تزيل الحائل وتمسح على رأسها وتعيد غسل رجليها ، وإن طال ذلك أعادت الوضوء ولا يحد القرب هنا بجفاف الأعضاء بل هو أقل من ذلك كما سيأتي إن شاء الله تعالى في الكلام على الموالاة ، وقال في الطراز : فإن وقع المسح على الحناء على الوجه الممنوع فإن كان ذلك جهلا ثم أخبر أنه لا يجوز فنزعه بالقرب مسح رأسه وأعاد غسل رجليه ولا يشبه من فرق وضوءه عبثا ; لأنه كان يعتقد أنه يجزئه وإن طال ابتداء الوضوء ; لأن الجاهل كالعامد لا كالساهي ، وإن كان سهوا مسح رأسه متى ما ذكر وغسل رجليه إن كان بالقرب والصلاة في جميع ذلك فاسدة انتهى .

وقال صاحب الجمع : فرع إن مسحت على الوقاية أو حناء أو مسح رجل على العمامة وصلى لم تصح صلاته وبطل وضوءه وإن كان فعل ذلك عمدا وإن فعله جهلا فقولان انتهى . وقال ابن ناجي : يريد وكذلك الرجل لا يمسح على العمامة وبالجملة لا يمسح على حائل مع الاختيار ، وأما مع الضرورة فجائز ثم ذكر شيئا مما تقدم عن الطراز ثم قال : وقول أحمد عندي أقرب وهو الذي كان يرجحه شيخنا ، يعني البرزلي ولا يفتي به وكونه عليه الصلاة والسلام داوم على غير ذلك لا يدل على قول أصحابنا ; لأن مداومته إنما تدل على أنه فعله مرة واحدة ليؤذن بالإباحة ، وكونه [ ص: 208 ] لعذر دعوى .

( قلت ) يرد ما قاله من الأدلة والله أعلم .

( فائدة ) ذكر ابن ناجي أنه حضر ابن راشد درس بعض الحنفية فقال المدرس : الدليل لنا على مالك في المسح على العمامة أنه مسح على حائل أصله الشعر فإنه حائل ، فأجابه ابن راشد بأن الحقيقة إذا تعذرت انتقل إلى المجاز إن لم يتعدد وإلى الأقرب منه إن تعدد والشعر هنا أقرب والعمامة أبعد فيتعين الحمل على الشعر فلم يجد جوابا ونهض قائما وأجلسه بإزائه .

( فائدة ) قال عياض الحناء ممدود انتهى . وقال الزبيدي : الحناء مذكر ممدود واحده حناءة .

( السابع ) قال في الطراز : فإن كانت الحناء في مستبطن الشعر ليس على ظاهره لم يمنع ; لأن مستبطن الشعر لا يجب إيصال الماء إليه في الوضوء ولا مباشرته بالمسح ولهذا تعلق المسح بظاهر الضفيرة دون باطنها ، وقد أجاز الشرع التلبيد في الحج انتهى .

ونقله القرافي في الذخيرة وابن عرفة وابن ناجي وغيرهم وقبلوه ولفظ ابن عرفة : الطراز : إن كان الحناء بباطن الشعر لم يمنع كالتلبيد انتهى .

( الثامن ) قال أبو الحسن الصغير في قوله في المدونة حتى ينزعه : هل بالماء كما يقول بعض الشيوخ ؟ وظاهر الكتاب بأي شيء أزاله الشيخ ومن يقول بالماء يقول لئلا ينضاف الماء الذي يمسح به ; لأنه بأول ملاقاته بيده ينضاف وليس هذا بصحيح ; لأن أكثر الناس تكون أعضاؤهم غير نقية من الدنس فإذا فرغ الماء على أول العضو لم يصل إلى آخره حتى يتغير ، ولم يشترط أحد طهارة الأعضاء من الدنس وقوله في المدونة : وإن ذهبت الحناء أو انتشر بعضها يدل على خلاف قول بعض الشيوخ انتهى .

وقال ابن فرحون في شرح قول ابن الحاجب : ولا يمسح على الحناء . قال ابن هارون : يريد إذا كان متجسدا وإلا فيجوز المسح على صبغه انتهى كلام ابن هارون قال ابن فرحون وكذلك الطيب إذا لم يكن متجسدا مما ترش به رأسها أو تجعله في شعرها وما زال نساء الصحابة يجعلن الطيب في رءوسهن ، وكان عليه الصلاة والسلام يرى وبيص الطيب في مفرقه وهذا لا إشكال فيه ، ولا يقال : إنه يضيف الماء حالة المسح ، فإن هذا من الجهل بالسنة والتعمق في الدين ومما يوضح ذلك ما وقع في البيان في باب القذف في المرأة تعمل نضوحا من التمر والزبيب فتمتشط به ، قال : أرجو أن لا يكون به بأس ابن رشد وفي مختصر ابن عبد الحكم أنه مكروه وفيه إجازته أيضا على ترخيص ، والكراهة من باب النهي عن الخليطين لا من جهة أنه حائل يمنع المسح عليه وهذا نص في جواز المسح عليه ، وإنما المحذور ما هو متجسد يحول بين الشعر والماء وأما النضوح وما جرى مجراه فإنه يلبد الشعر ويضمه عن الانتشار ومما يدل على صحة ذلك جواز تصميغ المحرم رأسه انتهى . كلام ابن فرحون ومسألة البيان في رسم الأشربة والحدود من سماع أشهب .

وقوله : والكراهة من باب النهي عن الخليطين لا من جهة أنه حائل من كلام ابن فرحون وقال الشيخ زروق في شرح الرسالة : قال الشيخ أبو العباس الجبائي عند قول ابن الحاجب : ولا يمسح على حناء : هذا يدل على أن إضافة الماء بعد بلوغه العضو لا تضر وما زال السلف يدهنون ويتمندلون بأقدامهم ، ومعلوم أن الماء ينضاف بملاقاته للعضو مما عليه انتهى . ونقل ابن فرحون كلام أبي الحسن المتقدم وزاد عليه قال : وقد نص أبو زيد البرنوسي في تقييده على الجلاب أنه يجوز المسح عليها إذا نقضتها وزال نقضها ، وهذا يؤيد ما تقدم في مسألة الطيب انتهى .

وقال الجزولي في مسألة الحناء : قال الفقيه : لا يمسح حتى يزيلها بالماء وقال غيره : إذا نقضها ، والأول أبين ; لأنه يبقى هناك ما يضيف الماء انتهى . وزاد الشيخ يوسف بن عمر في القول الأول حتى يغسله بالماء والطفل والمشط ; لأنه إذا لم يمشطه بالطفل ينضاف الماء بأول الملاقاة انتهى

( قلت ) وما قال الجزولي إنه الأبين هو الذي ضعفه أبو الحسن وابن فرحون وغيرهما والظاهر ما قاله أبو الحسن وابن فرحون وغيرهما وقد تقدم في الكلام على الماء المستعمل [ ص: 209 ] عن القرافي أن الماء ما دام في العضو فلا خلاف أنه طهور مطلق . وبيص الطيب بريقه ولمعانه وهو بالموحدة وآخره صاد مهملة على وزن رغيف والنضوح بالضاد المعجمة والحاء المهملة على وزن صبور ما ينضح به من الطيب أي يرش مأخوذ من النضح .

( التاسع ) قال الشيخ يوسف بن عمر : ولا يمسح على الحائل إلا من ضرورة وكذلك إذا جعل على رأسه الدهن لعلة به فإنه يمسح عليه للضرورة انتهى .

( قلت ) ظاهر هذا الكلام أنه لا يمسح على الدهن لغير ضرورة وهذا إنما يتأتى على ما ذكره أبو الحسن عن بعض الشيوخ بأنه لا يمسح على الحناء حتى يغسله بالماء لئلا ينضاف ، وأما على القول الراجح فيجوز المسح عليه إلا أن يكثر ويتجسد على الشعر حتى يصير حائلا يمنع من المسح عليه والله تعالى أعلم .

( العاشر ) قال ابن فرحون : وإذا مسحت على الحناء لعلة ثم أزالته وهي على وضوء مسحته لما يستقبل وهو ظاهر وحكمه كحكم الجبيرة .

( الحادي عشر ) تقدم في كلام صاحب الطراز والقرافي وابن عرفة وابن فرحون وابن ناجي أن الملبد يجوز له المسح على الشعر الملبد ولا يكون حائلا وقال الجزولي بعد أن ذكر الخلاف في المسح على العمامة والخمار : وانظر المحرم إذا لبد رأسه قالوا يجوز له المسح ولا راعوا الحائل وإنما ذلك للضرورة قاله شيخنا الشارمساحي وقاله الشيخ يوسف بن عمر أيضا قال الجزولي في باب الحج : يجوز له أن يمسح على التلبيد في الوضوء لأجل الضرورة ، وإن كان فيه الإضافة أو لأنه لا يضيف الماء إضافة تؤثر ، وأما لغير ضرورة فلا يجوز المسح على الحائل انتهى .

( الثاني عشر ) قال ابن فرحون قال الشيخ أبو الحسن وكذلك القطران الذي يجعله العواتق في رءوسهن ; لأنه أخف من الملبد ومع ذلك قالوا : يمسح انتهى .

( قلت ) وهذا كله يرد ما نقله أبو الحسن عن بعض الشيوخ أن ذلك يضيف الماء .

( الثالث عشر ) ذكر المصنف الرجل تنبيها على أنه إذا كان له شعر طويل وضفره أو عقصه فحكمه كحكم المرأة في جواز ذلك وفي جواز المسح عليه . قال في التوضيح قال ابن يونس : وكذلك الرجل إذا فتل رأسه يجوز له أن يمسح عليه كالمرأة وحكى البلنسي في شرح الرسالة أن الرجل لا يجوز له أن يفتل شعر رأسه ونقله ابن فرحون وزاد ولعل ذلك لما فيه من التشبه بالنساء انتهى . وقال ابن ناجي في شرح قول المدونة وتمسح على ما استرخى من شعرها : وكذلك طويل الشعر من الرجال . ظاهر قوله وكذلك طويل الشعر من الرجال وإن كان مضفورا وهو كذلك ، ونقل المغربي قولا بأنه لا يمسح عليه واستشكله ; لأن الضفر في حقه مباح ( فإن قلت ) قد نص البلنسي في شرح الرسالة على أنه يجوز للرجال أن يضفروا رءوسهم ولا أعرفه لغيره انتهى . ونحوه في شرحه على الرسالة وقال الجزولي : ولو ضفر الرجل رأسه فقال عبد الوهاب : يمسح عليه وقال ابن فرحون في شرح قول ابن الحاجب الرابع مسح جميع الرأس للرجل والمرأة . نبه على المرأة في هذا الفرض دون سائر الفروض مع أنه لا فرق بين الرجل والمرأة في الوضوء بالإجماع ; لأنها ربما لبدت رأسها بشيء من الطيب وربما ضفرته بشعر غيرها وغير ذلك من هذا المعنى فنبه على أنها مطلوبة بمسح جميعه كالرجل ، وقال صاحب الجمع : نبه على المرأة ; لأنهن يطلبن المسامحة فيه دون غيره وفي كلام الشارح في الصغير إشارة إلى هذا فإنه قال : قوله : رجل أو امرأة راجع إلى الماسح يعني ويستوي في ذلك أعني مسح الجميع والصدغين والمسترخي وعدم نقض الضفر الرجل والمرأة .

( الرابع عشر ) قال في الطراز إذا كان في الشعر صوف أو غيره مما يركب الشعر ويمنع مباشرته أو التصق بالشعر شمع ونحوه مما يمنع غسله ومسحه فلما رأى ذلك بعد وضوئه قرضه بمقراض هل يجزئه وضوءه ؟ يخرج على أصل وهو أن ما غسل من أعضاء الوضوء هل يرتفع حكم الحدث عنه ويطهر في نفسه أو لا يرتفع حتى يكمل الجميع ؟ [ ص: 210 ] فإن قلنا : يرتفع صلى بتلك الطهارة ; لأنها لم يبق منها فعل وإن قلنا : لا يرتفع أعاد الطهارة ; لأنها وقعت ناقصة وتعذر تمامها .

( قلت ) المشهور هو الثاني كما سيأتي أعني أنه لا يطهر إلا بغسل الجميع إلا أن قوله : يعيد الطهارة مشكل والظاهر أنه يغسل ذلك الموضع ، وقوله : تعذر إتمامها غير ظاهر ; لأن ما بقي من الشعر إذا قرض يقوم مقامه وإن نتف من أصله فموضعه يقوم مقامه والله تعالى أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية