مواهب الجليل في شرح مختصر خليل

الحطاب - محمد بن محمد بن عبد الرحمن الرعينى

صفحة جزء
ص ( أو إلا أن يشاء زيد مثل إن شاء زيد )

ش : هكذا قال ابن الحاجب : ونصه فإن قال إلا أن يشاء زيد فمثل إن شاء على المشهور ، قال في التوضيح : أي فلا يطلق عليه حتى يشاء زيد لأن الطلاق فيهما موقوف على مشيئته وأرى في الشاذ لزوم الطلاق والفرق أن الكلام في الصورة الثانية اقتضى وقوع الطلاق إلا أن يشاء زيد رفعه بعد وقوعه والطلاق لا يرتفع بعد وقوعه بخلاف الصورة الأولى فإن وقوع الطلاق فيها مشروط بالمشيئة ومن هذه المسألة ما وقع لأصبغ فيمن قال : أنت طالق إلا أن يمنعني أبي فمنعه أبوه لا شيء عليه واستشكله بعضهم بأن الطلاق بعد وقوعه لا يرتفع بإرادة أبيه إلا أن يريد التعليق ، انتهى .

وهذه المسألة في نوازل أصبغ من كتاب الأيمان بالطلاق ، قال في رجل قال لامرأته : أنت طالق ألبتة إلا أن يمنعني أبي فمنعه أبوه لا أرى عليه شيئا وأراه بمنزلة قوله إلا أن يشاء أبي فلم يشأ أبوه وأصله قوله هي طالق إن شاء أبي فلم يشأ ، قال ابن رشد : تشبيه أصبغ إلا أن يمنعني أبي إلا أن يشاء صحيح وأما قياسه ذلك على قوله امرأته طالق إلا أن يشاء أبوه فليس بصحيح لأن قوله إن شاء أبي طلاق مقيد بشرط مشيئة أبيه فلا يقع إلا أن يشاء أبوه إذ لم يوجبه على نفسه إلا بذلك كمن قال : امرأته طالق إن ضرب أبوه غلامه أو دخل الدار وقوله إلا أن يشاء إنما هو طلاق قيد حله عنه بمشيئة أبيه لأن تقدير قوله امرأته طالق إلا أن يشاء أبي إلا أن يكون طلاقا ولا مشيئة لأبيه في أن لا تكون طالقا إذا كان هو قد طلقها فقوله لها أنت طالق فلا يسقط عنه الطلاق بما استثنى من مشيئة أبيه كما لا يسقط عنه لو قال : امرأتي طالق إلا أن يضرب أبي غلامه أو يدخل الدار وهذا بين لا خفاء فيه فلا يصح أن يحمل قول الرجل امرأته طالق ألبتة إلا أن يمنعني أبي من ذلك أو إلا أن يشاء أبي ذلك على أن مراده بذلك إنما هو امرأتي طالق ألبتة إن شاء أبي إذ لا يحتمل ذلك اللفظ لكونه ضد مقتضاه إلا أن يقول رجل أردت ذلك فينوي إذا جاء مستفتيا ولا يصح على أصولهم أن ينوي في ذلك مع قيام البينة عليه فضلا عن أن تحمل يمينه على ذلك إذا لم تكن له نية ووجه قول أصبغ إنه لما كان قوله إلا أن يشاء أبي أو إلا أن يمنعني أبي لغوا لا فائدة فيه لقائله ولا تأثير له في الطلاق حمل على أنه أراد إن شاء أبي إذ لا تفرق العوام والجهال بين هذه الألفاظ فهذا يشبه أن يفتي به الجاهل على أن من قوله في نوازله أن الجهالة ليست بأحسن حالا من العلم في الطلاق فقوله على كل حال ضعيف وهذا الذي ذكرناه أظهر محتملات كلامه ويحتمل أن يريد بقوله امرأته طالق إلا أن يشاء أبي امرأته طالق ولا ألزم نفسي ذلك إلا أن يشاء أبي فيكون على هذا التأويل بمنزلة قوله إلا أن يريد أبي وإلى هذا نحا أصبغ ويحتمل وجها ثالثا وهو أن يريد بذلك امرأته طالق إلا أن يفعل فلان كذا وكذا أو إن لم يفعل كذا وكذا فيكون على هذا التأويل كمن حلف بالطلاق على غيره أن يفعل فعلا فيحال بينه وبين امرأته ويدخل عليه الإيلاء أو يتلوم له على الاختلاف في ذلك فهذه ثلاثة وجوه تحتملها المسألة فإن أراد الحالف أحدها حملت عليه يمينه وإن لم تكن له نية فيختلف على أي وجه منها تحمل يمينه ، انتهى .

( قلت ) أما إذا قال : إلا أن يشاء أبي فأظهر الاحتمالات هو الثاني كما قال أصبغ وأما إذا قال : إلا أن يضرب أبي غلامه أو يدخل الدار فأظهرها الثالث فتأمله ، والله أعلم . ونقل ابن عرفة كلام ابن رشد

ص ( بخلاف إلا أن يبدو لي )

ش : قال ابن عرفة : وجه تفرقته أن الرافع في قوله إلا أن يبدو لي هو الموقع فكان تلاعبا والرافع في إلا أن يشاء فلان غيره فأشبه كونه تفويضا ، وقال ابن عبد السلام : الفرق أن قوله إلا أن يشاء زيد يمكن حمله على أن يشاء وقوله إلا أن يبدو لي لا يمكن رده للشرط ; لأنه إخراج حالة مستقبلة بعد وقوع [ ص: 80 ] الطلاق لا يمكنه تعلقه بالحال فوجب ( قلت ) فيلزم كونه في إلا أن يشاء كقوله إلا أن يشاء زيد لصحة حمل إن أشاء على إن شئت والمنصوص في إن شئت حمل إن أشأ على إن شئت والمنصوص في إن شئت عدم اللزوم وفي إلا إن أشأ اللزوم ، انتهى .

( قلت ) ما فرق به ابن عرفة هو معنى قول المصنف في التوضيح والفرق للأشهر قوة التهمة في إلا أن يبدو لي بخلاف إلا أن يشاء زيد فإنه لا يتهم على ذلك ، انتهى . وحاصل كلامهم أن الأظهر في قوله إلا أن يبدو لي حمله على الوجه الأول من احتمالات ابن رشد بخلاف إلا أن يشاء زيد وإليه يرجع كلام ابن عبد السلام عند التأمل وقول ابن عرفة فيلزم كونه في إلا أن أشاء مثل إلا أن يشاء زيد ليس بظاهر لما قلنا أن الأظهر في قوله إلا أن أشاء أو يبدو لي أنه طلاق قيد حله بمشيئته أو إرادته وذلك لا يفيد بخلاف إلا أن يشاء زيد فإن الأظهر فيه أنه طلاق معلق على مشيئة زيد فتأمله وما ذكره من أن المنصوص في أنت طالق إن شئت عدم اللزوم ، قاله في العتق الأول من المدونة ونصه وإن قال لها : أنت طالق إن شئت أو إن شاء فلان لم تطلق حتى ينظر إلى ما شاء أو شاء فلان ، انتهى .

قال أبو الحسن لم يذكر التعليق بمشيئة نفسه في الكتاب إلا هنا وهذا بخلاف قوله أنت طالق إلا أن يبدو لي والفرق بينهما أن قوله إلا أن يبدو لي استثناء والاستثناء في الطلاق لا ينفعه وقوله إن شئت تعليق بصفة فلا يلزمه إلا بوقوع الصفة ، انتهى . فعلى هذا ما يوجد في بعض نسخ التهذيب في قوله إن شئت بكسر التاء فليس بصحيح ، والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية