مواهب الجليل في شرح مختصر خليل

الحطاب - محمد بن محمد بن عبد الرحمن الرعينى

صفحة جزء
ص ( وألغي مرض كيومين وغيبتهما لا إن كثر )

ش : يعني أن شريكي العمل إذا مرض أحدهما يوما ، أو يومين ، أو غاب يوما ، أو يومين وعمل صاحبه في اليومين المذكورين فالعمل بينهما ويلغى مرض اليومين وغيبتهما ، وأما ما كثر فلا يلغى وهو يشير إلى قوله في المدونة : وإذا مرض أحد شريكي الصنعة ، أو غاب يوما ، أو يومين ، فعمل صاحبه فالعمل بينهما ; لأن هذا أمر جائز بين الشركاء إلا [ ص: 139 ] ما تفاحش من ذلك وطال فإن للعامل إن أحب أن يعطي لصاحبه نصف ما عمل جاز ذلك ، وإن لم يعقدا في أصل الشركة أن من مرض منهما ، أو غاب غيبة بعيدة فما عمل الآخر بينهما انتهى .

فاختصار المصنف مطابق للمدونة إلا أنه يحتاج إلى تنبيهات ( الأول ) أن المؤلف قال : كيومين فيفهم منه أن ما قارب اليومين له حكمهما ، واقتصر في المدونة على ذكر اليومين وكأن المصنف اعتمد على مفهوم قوله في الشق الثاني إلا ما تفاحش من ذلك وطال ، ولم يبينه وكأنه أحال على العرف ، وقد تقدم عن الشيخ أبي الحسن في مسألة الرد على أحد الشريكين ما باعه صاحبه في غيبة البائع أنه يفرق في ذلك بين القرب والبعد ، وأن القرب اليومان ، والثلاثة والبعد العشرة قال وما بينهما من الوسائط يرد ما قارب القرب إلى القرب وما قارب البعد إلى البعد انتهى .

وينبغي أن يجري مثل ذلك في ما شابه مثل ذلك من الأبواب ( الثاني ) الضمير في غيبتهما راجع إلى اليومين وتحير الشارح في ذلك في الكبير ورده إلى الشريكين ، وتكلف له بأن فيه تجوزا وأن المراد غيبة أحدهما ، وإنما قال غيبتهما لئلا يتوهم أن الغيبة لو حصلت من أحدهما ثم حصلت من الآخر لم تغتفر فنبه على ذلك ، وإن اغتفر ذلك مع غيبتهما فلأن يغتفر مع غيبة أحدهما من باب ، أولى والصواب ما تقدم وهو شامل لما ذكره الشارح ، والله أعلم .

( الثالث ) لم يفهم من قول المصنف لا إن كثر كيف يعمل في ذلك ، وإنما فهم منه أنه لا يلغى ، واقتصر البساطي في شرحه على ذلك ، وكلام الشارح يوهم أن العامل يختص بأجرة ذلك قال في الشرح الكبير : أي فإن كثر اختص به العامل وليس كذلك ، وكذلك كلامه في المدونة ليس فيه ما يدل على ذلك ، وقد صرح بذلك اللخمي ، وغيره ، وإن معناه أن الأجرة بينهما وللعامل على المريض أجر عمله قال اللخمي في تبصرته وإذا عقد الشريكان الإجارة على عمل ثم مرض أحدهما ، أو غاب ، أو مات كان على الآخر أن يوفي بجميع ذلك العمل ، وسواء كانت الشركة على أن العمل مضمون في الذمة ، أو على أعيانهما ; لأنهما على ذلك يشتركان ، وعليه يدخل الذي يستأجرهما ; لأنهما متفاوضان فلزم أحدهما ما لزم الآخر ، وإن كانت الإجارة في الصحة ثم مرض أحدهما مرضا خفيفا ، أو طويلا ، أو غاب أحدهما إلى موضع قريب ، أو بعيد كان على الصحيح الحاضر القيام بجميع العمل ، وكذلك إذا عقد الإجارة على شيء في أول المرض ثم برئ عن قرب ، أو بعد ، أو في سفر أحدهما إلى قرب من المكان ثم رجع عن قرب ، أو بعد إن بعد فكل ذلك سواء فإن على الصحيح والحاضر القيام بجميع العمل هذا في حق الذي له العمل ، وكذلك في المسمى الذي عقدا عليه هو بينهما نصفان في الوجهين جميعا ، ويفترق الجواب في رجوع الذي عمل على صاحبه فإن كان المرض الخفيف ، والسفر القريب لم يرجع ; لأن العادة العفو عن مثل ذلك ، ولولا العادة لرجع ، فإن طال المرض ، أو السفر رجع على صاحبه بإجارة المثل انتهى .

ويكون ربح العمل بينهما ، ونقله القرافي في ذخيرته وقبله ، وكذلك الشيخ أبو الحسن ، ونحوه للرجراجي ونصه : وأما البدنية فإن كان المرض يسيرا مما الغالب فيه التسامح فالربح بينهما ، ولا شيء للمعافى على المئوف فإن كان كثيرا فهل يكون المعافى متطوعا أم لا ؟ قولان أحدهما أنه متطوع له ، وهو قول أشهب والثاني لا يكون متطوعا له وهو قول ابن القاسم فعلى قوله يكون الربح بينهما ، ويطالبه بأجرة عمله انتهى .

وأطلق الربح على الأجرة ، ويعني بالمئوف المريض ، والله أعلم .

( الرابع ) انظر هل يلغى من الكثرة يومان قال البساطي ظاهر كلامه أنه لا يلغى منه شيء انتهى .

( قلت : ) ويأتي الخلاف فيه في القولة التي بعدها ( الخامس ) علم من قول اللخمي في كلامه المتقدم حيث قال : ثم مرض أحدهما ، أو مات ، أو غاب أن [ ص: 140 ] الموت كالغيبة والمرض ، وعليه فينبغي أن يقال : إن عمل بعد موته يوما ، أو يومين ألغي ذلك ، وإن كثر لم يلغ كما تقدم ( السادس ) علم أيضا من كلامه أنه لا فرق بين أن يكونا أخذا الشيء الذي يعملان فيه في الصحة ، أو بعد مرض أحدهما ، أو سفره وهو جار على ما تقدم من أن ما أخذ أحدهما لزم شريكه عمله ، وضمانه ، والله أعلم .

( السابع ) قال ابن يونس عن ابن حبيب : هذا في شركة الأبدان ، وأما في الشركة بالمال فللذي عمل نصف أجرته على صاحبه ، والفضل بينهما ; لأن المال أجره انتهى .

وقال الرجراجي قبل كلامه المتقدم : وإذا مرض أحد الشريكين فإن كانت مالية فالربح بين المعافى والمئوف ، وله أجر عمله ; لأن المال سبب الربح وأما البدنية وذكر ما تقدم ، والله أعلم .

الثامن قال اللخمي : ولو عقد أحدهما إجارة بعد طول المرض ، أو بعد السفر كان ذلك له وحده ; لأن الشركة حينئذ قد انقطعت ، وكذلك ضمان ما هلك إذا كان العقد عليه في موضع لم تنقطع الشركة كانت القيمة عليهما ، وإن كانت بعد أن انقطعت كانت عليه وحده انتهى .

ونقل ابن يونس صدر هذا الكلام عن بعض القرويين وأقره ( التاسع ) علم من هذا الكلام أن ما عقد عليه أحد الشريكين قبل طول الغيبة وطول المرض يكون ضمانه منهما وهو جار على ما تقدم .

( العاشر ) الفرق بين شريكي العمل وبين الأجيرين إذا استأجرهما أحد على عمل فمرض أحدهما فعمل الآخر جميع العمل قال في المدونة : للمريض نصيبه ، ولا شيء عليه وصاحبه متطوع ، وقال الرجراجي : إن الشريكين كل واحد منهما حميل عن صاحبه ضامن عنه ما يقبلاه إذا كان المتاع مما يضمن فلهذا لم يصر الصحيح متطوعا وأما الأجيران فليس أحدهما ضمينا ، ولا حميلا فلهذا صار الحافر متطوعا انتهى .

واعلم أن القول بأنه لا شيء للعامل في مسألة الأجيرين لا يجري على القول بالرجوع بالقيام بالواجب بل الجاري عليه أن يقال إن المريض إن كان يمكنه عمل ذلك بأجيره ، أو بنفسه إذا صح فصاحبه متطوع ، وإن كان لا يعمل ذلك بنفسه ، ولا بد أن يستأجر فالعامل له أجره ، وراجع المسألة في كتاب الإجارة ، والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية