مواهب الجليل في شرح مختصر خليل

الحطاب - محمد بن محمد بن عبد الرحمن الرعينى

صفحة جزء
ص ( وللسابق كمسجد )

ش : تصوره واضح ، وقد ذكر ابن غازي قولين فيمن قام من الباعة من المجلس ونيته الرجوع إليه في غد فحكى الماوردي [ ص: 159 ] عن مالك أنه أحق به حتى يتم غرضه وقيل هو وغيره فيه سواء فمن سبق كان ، أولى به قال في الشامل في إحياء الموات : وللباعة وغيرهم الجلوس فيما خف ، والسابق أحق من غيره كمسجد ، ويسقط حقه إن قام لا بنية عوده وإلا فقولان انتهى .

، وقاله في التوضيح ، وذكر ابن غازي قولين فيمن قام من الباعة من المجلس ونيته الرجوع إليه في غد فحكى الماوردي عن مالك أنه أحق به حتى يتم غرضه وقيل هو وغيره فيه سواء فمن سبق كان ، أولى به ثم قال ، وهذا الذي اختصر المصنف حيث قضى للسابق للأفنية بها ثم شبه به السابق للمسجد انتهى .

فيفهم من كلام ابن غازي أن المصنف رجح القول الثاني وذكر ابن غازي عن شيخه القوري عن العوفية أن من وضع بمحل من المسجد شيئا يحجره به حتى يأتي إليه يتخرج على مسألة هل ملك التحجير إحياء انتهى .

ولم يذكر غير هذا ( قلت : ) سيأتي في إحياء الموات أن التحجير ليس بإحياء ونص في المدخل على أنه لا يستحق السبق في المسجد بإرسال سجادته ، وأنه غاصب لذلك المحل ونص كلامه في فصل اللباس في ذم الطول في ذلك ، والتوسع فيه بأن أحدهم إذا كان في الصلاة وضم ثوبه حصل في النهي الوارد في ذلك ، وإن لم يضمه انفرش على الأرض وأمسك به مكانا ليس له أن يمسكه ; لأنه ليس له في المسجد إلا موضع قيامه وسجوده وجلوسه وما زاد على ذلك فلسائر المسلمين وإذا بسط شيئا يصلي عليه احتاج أن يبسط شيئا كثير السعة لثوبه فيمسك بذلك موضع رجلين ، أو نحوه فإن هابه الناس لكمه وثوبه وتباعدوا منه ولم يأمرهم بالقرب فيمسك ما هو أكثر من ذلك فإن بعث سجادة إلى المسجد في أول الوقت ، أو قبله ففرشت له هناك وقعد إلى أن يمتلئ المسجد بالناس ثم يأتي يتخطى رقابهم ، فيقع في محذورات جملة منها غصبه لذلك الموضع الذي عملت فيه السجادة ; لأنه ليس له أن يحجره وليس لأحد فيه إلا موضع صلاته ومن سبق كان ، أولى ، ولا نعلم أحدا يقول إن السبق للسجادة ، وإنما هو لبني آدم ، فيقع في الغصب لكونه منع ذلك المكان ممن سبقه ، ومنها تخطيه لرقاب المسلمين ، وقد نص النبي صلى الله عليه وسلم على أن فاعل ذلك مؤذ ، وقد ورد " كل مؤذ في النار " انتهى .

وظاهر كلام القرطبي في تفسيره في سورة المجادلة أنه يستحق السبق بذلك فإنه قال إذا أمر إنسان إنسانا أن يبكر إلى الجامع فيأخذ له مكانا يقعد فيه ، فإذا جاء الآمر يقوم له المأمور لا يكره لما روي أن ابن سيرين كان يرسل غلامه إلى مجلس له في يوم الجمعة فيجلس فيه فإذا جاء قام له منه ثم قال : فرع وعلى هذا من أرسل بساطا ، أو سجادة فتبسط له في موضع من المسجد انتهى .

ونقله الشيخ عبد الله بن فرحون في تاريخ المدينة محتجا به ( قلت : ) وتخريجه إرسال السجادة على إرسال الغلام غير ظاهر ، والصواب ما قاله في المدخل ، وأن السبق لا يستحق بها ، وهذا أسلم من تخطي رقاب الناس إليها وأما مع ذلك فلا يشك في المنع ( فرع ) قال القرطبي إذا قعد أحد من الناس في موضع من المسجد لا يجوز لغيره أن يقيمه حتى يقعد مكانه انتهى .

( فرع ) قال القرطبي إذا قام القاعد في مكان من المسجد حتى يقعد غيره فيه نظر فإن كان الموضع الذي قام إليه مثل الأول في سماع الإمام لم يكره له ذلك ، وإن كان أبعد كره له ذلك ; لأن فيه تفويت حظه انتهى .

( فرع ) قال ابن فرحون في تاريخ المدينة الشريفة قال علماؤنا يستحب للقاضي والعالم والمفتي اتخاذ موضع من المسجد حتى ينتهي إليه من أرادهم وبذلك قال علماء الحنفية ونقل في المدارك أن مالكا - رحمه الله تعالى - كان له موضع في المسجد وهو مكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، وهو المكان الذي كان يوضع فيه فرش النبي صلى الله عليه وسلم إذا اعتكف ثم قال : وفي إقليد التقليد لابن أبي جمرة أن اتخاذ العلماء المساطب والمنابر في المسجد جائز للتعليم والتذكير ، وهم أحق بذلك وما في جوامع مصر من ذلك ولم ينكره أهل [ ص: 160 ] العلم دليل على ذلك وأما موضع لطلب الأجرة كالمعلمين فلا يكونون أحق بذلك بل ينبغي إزالتها ، وكذلك إن وضع للعالم في موضع حصير فهو أحق بذلك ، وإن تأخر حتى سبقه غيره ويراعى في ذلك حق من يقصد العلماء فيجدهم في مكانهم انتهى والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية